كما أحدثت فاطمة المرنيسي صدمة بمشروعها الفكري الكبير، وهي تفتش عن الصورة الحقيقية للنسوية المهملة والمهمشة، وسط محيطات تاريخية من الذكورة، هاهي ترحل رحيل المفاجأة، بصمت بعد رحلة عطاء فكري غنية بمحطاته، تاركة في العقول دهشة الذهول من غياب متفكرة عقلانية ذات حضور وغنى معرفي كبير.
فاطمة المرنيسي ونوال السعداوي والعديد من العقول النسوية الرائدة، هن من علامات ضوء شفيف، في نفق طويل مظلم، من الهيمنة الفكرية الذكورية الحياتية، بكل جبروتها وعنترياتها، وصلفها التاريخي الكذوب، في عالمنا القديم، والأوسط، والمعاصر على حد سواء.
اقتحام "التابوهات" الذكورية
فاطمة المرنيسي ترحل مخلفة وراءها مشروعاً تنويرياً جاداً، يتفق الذكور أو يختلفون معه، فلا ينبغي إلاَّ أن تنظر إليه إلا باحترام وتقدير وإجلال، للجهد العقلي الإنساني النسوي المبذول، في القراءة، والتمعن والتفكر، والاستنتاج والاستنباط، والجرأة في اقتحام "التابوهات" الذكورية الراسخة، وتفكيكها وإبراز اهتراء فهمها، وعوار تصوراتها للنوع الاخر، لأنها كانت أسيرة مسلمات ذكورية صلدة، جاسمة في العقول، لا تقبل التزحزح، ويُعاد انتاجها، واستهلاكها، ثم إعادة انتاجها مرات ومرات، بآلية مكرورة، تصيب بالملل، العقل المتفكر، والمتسائل لرتابتها التاريخية.
إن الإرث التاريخي الثقافي والتأويلي للعقيدة، والسياسي والاجتماعي لواحدية النوع والمضادة للمؤنث، كان يشكل تحدياً كبيراً أمام فاطمة المرنيسي، فتفرغت لتفكيكه بشراسة فكرية، محسودة عليها، فلم تترك نهراً فكرياً ذكورياً إلا عبرته، لتثبت هشاشة مسلماته، وتلتقط منه ما أخفاه الذكور أو تغافلوا عنه، فتعيد قراءة الموروث الظالم للأنثى، وتستخرج من بطونه الأدلة التي تثبت خلل الرؤية الذكورية، وقد صنعت تلك الروءية، ورسخت صوراً ذهنية مسيئة للمرأة، ومضخمة لكينونة الذكر الثقافية والوجودية.
تفكيك الموروث الذكوري
وبمقدار ما قامت المرنيسي بتفكيك الموروث الذكوري العنصري، واجهت طوفانات من الانتقادات الذكورية، ممن "تقولبوا" في مغارات الفكر الماضوي، المضاد للإنسانية والعنصري ضد النوع، وأيضا لقيت الإشادة، من فرسان العقل، والفكر الحر، الباحث عن الحقيقة، لا التسليم المُغمِض العينين تجاهها، باعتبارها جاءت في كتب الأولين ورواياتهم الموهومة، والتي تكتسب قوتها فقط من تاريخيتها، المكتوبة بذاكرة الذكور من الرواة والنساخين الوراقين.
مؤلفات مدهشة
لم تخرج المرنيسي عن السياق، في دراسة الأصول، ولم تخترع قضاياها، لكنها حركت عقلها، عبر العقل التنويري، الذي وظفته في الجمع والبحث، والتفكيك للخطابات الذكورية الظالمة، التي تجعل من المؤنث سقط المتاع، والكينونة الهامشية، وقالت كلمتها في مجموعة من المؤلفات النيرة الموضوعات والعناوين منها بالعربية:
ما وراء الحجاب
"السلطانات المنسية في الإسلام".
" الحريم السياسي: النبي والنساء ".
" الخوف من الحداثة: الإسلام والديمقراطية ".
" الجنس والإيديولوجيا والإسلام".
" المغرب عبر نسائه".
العابرة المكسورة الجناح، شهرزاد ترحل إلى الغرب.
أحلام النساء الحريم "حكايات طفولة الحريم".
هل أنتم محصنون ضد الحريم؟
****
من المؤكد، أن وفاة فاطمة المرنيسي المفاجئة، بقدر ما تصيب الكثيرين بالحزن لغياب عقل إنساني انثوي، جريء في خطابه العلمي النوعي، ستترك الارتياح في نفوس الكثيرين من مفكري الذكورية، الذين سيتنهدون بارتياح ويقولون: أخيراً غاب صوت "الحُرمة" العورة!
0 التعليقات:
إرسال تعليق