عمرو على
بركات يكتب: قواعد الحكم فى مصر ؟!
اصدر د."بروس
بينودو مسقيتا"( 1940م) أستاذ العلوم السياسية فى جامعة نيويورك، وزميل معهد هوفر
بجامعة ستافورد بالولايات المتحدة الامريكية كتاباً بعنوان" دليل الاستبداد والمستبدين"
بالمشاركة مع صديقه د. "ألستير سميث" (1948م) أستاذ الاقتصاد فى جامعة روكشستر
، وقامت د." فاطمة نصر" بترجمته، وطبعتة مكتبة الأسرة 2014م، وهو كتاب يكشف
الرؤية عن خبايا كواليس الحكم، وكيف تدار مصالح الشعوب، بمعرفة حكامها، وحقيقة قرارات
هؤلاء الحكام، سواء فى الدول الخاضعة للنظم الاستبدادية، او فى الدول الديموقراطية،
وقد كان لما مرت به مصر عبر تاريخها حضوراً لدى المؤلفين فيما ساقاه من أمثلة تكشف
عن رؤية مغايرة لتاريخنا السياسى، ونستطيع عبرها ان نستطلع أفاق المستقبل القريب بوعى،
وادراك يحمل فى طياته القدرة على الاختيار بين المصائر المطروحة اليوم.
قواعد
الحكم؟
لم يعد علم السياسة
هو البحث عن أصول الحكم النموذجية للشعوب؟ وإنما أخذ منحناً جديداً فى الوقت الحاضر
حيث اصبح منصباً على حقيقة الطرق التى تحكم بها الشعوب فى الواقع، فتحول من اصول الحكم
ليصبح العلم الذى يفسر سبب بقاء الحاكم الاحمق المستبد فى حكم شعبه أمداً طويلاً لالتزامه
بتلك القواعد التى يكشف عنها المؤلفان، فيتساءلان لماذا يظل المستبدون ممسكين بالسلطة
لفترات طويلة؟ فى حين لا يمكث القادة الديمقراطيون الا لفترات وجيزة؟ وتكشف حقيقة كواليس
الحكم أننا وإن كانا ننظر لبشاعة الحكام فى وسائل حكمهم لنا، واننا سنكون مختلفون لو
جلسنا مكانهم، يفاجئنا التاريخ بان هناك قواعد للحكم تجبر الاخيار على أن يصبحوا أشراراً
متى حكموا بلدانهم! فيجب على الشعوب ألا تبحث عن الفضيلة الاخلاقية فى حكامها المرشحون
لحكمه بقدر ما تبحث عن العقلانية لديهم فى اتخاذ القرارات والوطنية، فالمحرك الرئيسى
للمصالح فى أى دولة هو الشخص الجالس على قمتها، فالقوة الدافعة فى جميع السياسات هى
حسابات الحاكم، وافعاله المرتكزة على مصلحته الذاتية.
قاعدة
بطانة الحاكم!
ثبت زيف مقولة أن
الديكتاتور هو الذى يحكم بمفرده، فأى ديكتاتور يحتاج إلى حاشية تساعده على الحكم المطلق،
وأولى قواعد الحكم أنه على المستبد أن يجعل حاشيته صغيرة العدد، فالبطانة القليلة توفر
فرصة توفير عطايا كبيرة لهم تجعلهم يدينون بالولاء له، فيصبح هدف الحاكم هو الوصول
إلى السلطة، والحفاظ عليها، ولا علاقة لها بمدى رفاهية شعبه، أو بؤسه، وباعتماده على
عدد قليل من البطانة يجعله يأمن على نفسه اثناء نومه اكثر من الحكام الديمقراطيين ،
كما ان البطانة الصغيرة تحمل خلفها طابوراً طويلاً من المنتظرين ليكونوا ضمن اعضاء
البطانة، ليتمكنوا من التمتع بامتيازات نهب الاموال العامة، مما يجعل البطانة تستبسل
فى الولاء للحاكم خشية ان يلفظهم ويستبدلهم بغيرهم، إلا أن مصر بسبب حرية التعبير التى
فرضها الشعب على وسائل الاعلام فى نهاية حكم "مبارك"، سمحت لقطاعات الشعب
ان تقف فى مواجهة بطانة "مبارك" وتتحداهم مطالبة بالتغيير.
قاعدة
لفوز المرشح فى انتخابات الرئاسة؟
على المتقدم للانتخابات
الرئاسية أن يقسم شعبه إلى ثلاث مجموعات كبرى: الاولى هى مجموعة الناخبين ككل، وهم
من يملكون الحق الدستورى فى اختياره كقائد، أصحاب حق الاقتراع، وهؤلاء فى مجملهم لا
يعدون اصحاب القرار النهائى فى اختياره، رغم كثرتهم العددية، والثانية هى مجموعة المتميزين
الفعليين الذين سيختارون القائد فعلياً، وهم فى الصين مثلاً اعضاء الحزب الشيوعى، وفى
المملكة العربية السعودية هم كبار افراد الاسرة الحاكمة، وفى بريطانيا اعضاء البرلمان
الممثلين للحزب الحاكم، وفى مصر هى السلطة المهيمنة على العملية الانتخابية، والثالثة
هم الحاشية التى تدعم المرشح لدى المجموعة الثانية، عن طريق توظيف المجموعة الأولى
لصالحه، وبالتالى نجد ان هؤلاء المجموعة المميزة من الحاشية هى التى تتحكم فى الحياة
السياسية، كما كان بالنسبة للملك "لويس الرابع عشر" حيث تكون ائتلاف حاشيته
من كبار موظفى الدولة، وضباط الجيش، والذين كان بدونهم بإمكان أى منافس له ان يحل محله
على العرش.
قاعدة
الوصول إلى السلطة؟
يحتاج من يطمح إلى
الوصول إلى السلطة إلى أربعة أشياء: اولاً عليه التخلص ممن يمسك بالسلطة، وثانياً يحتاج
للسيطرة على الجهاز الحكومى، وثالثاً تكوين حاشية من الداعمين تكفى للحفاظ عليه رئيساً
جديداً للسلطة، ويرصد الكتاب عدة وسائل للتخلص من الحاكم اولها واسهلها هو موت الحاكم،
وان لم تكن فرص موته متوفرة فيمكن للمتطلع للحكم من تقديم عرضاً مغرياً لحاشية الحاكم
الحالى، بحيث يدفعهم عرضه للتخلى عنه، أما ثالث وسيلة فهى الاطاحة بالنظام السياسى
القائم عن طريق هزيمته عسكرياً بقوة اجنبية خارجية، ورابع تلك الوسائل هو قيام الثورة
او التمرد عليه، حيث تنتفض الجماهير، وتطيح بالقائد الموجود، وتقضى على المؤسسات القائمة.
قواعد
نجاح الثورة؟
يرى الكتاب ان الثورة
تعتمد فى مدى نجاحها فضلاً عن المهارة، والتنسيق، على مدى قوة البطانة الموجودة لدى
الحاكم المزمع الثورة عليه، أو بالأحرى على مدى وجود تلك الحاشية، ومدى ولائها للنظام
القديم، ويضرب الكتاب مثالاً على تلك القاعدة من هزيمة نظام "مبارك" خلال
ثورة يناير، فى فبراير من العام 2011م، حيث أن موقف القوات المسلحة المصرية من السماح
للجماهير بالنزول إلى الشارع دونما أن يخشوا قمع الجيش لهم، ويبرر المؤلفان هذا الموقف
وفقاً لمنطلق نظريتهما السياسية، من أنه كان بسبب تخفيض المعونة الامريكية لمصر، وما
حدث بسبب ذلك من ارتباك اقتصادى، ورفع لمعدلات البطالة، فكان ذلك مؤشراً لبطانة
"مبارك" المؤيدة له من احتمال عدم الحصول على المكافآت التى ينالوها نظير
دعم بقائه فى الحكم، وايضاً لإيمان الشعب بأن مخاطر التمرد على "مبارك" أقل
من بؤس الوضع القائم، وفى الجهة الاخرى يتم القضاء على الثورات بالقمع، ومتى كانت المكافآت
مجزية، ارتكبت بطانة الحاكم ابشع الوسائل لإجهاض الثورة، والابقاء على الحاكم، ولكن
متى لم يتلقوا تلك المكافآت، والمزايا، لن يمنعوا الشعب عن الثورة ضده.
قاعدة
التخلص من المنافسين؟
يظل الممسك لتوه
بالسلطة مهدداً من قبل الطامعين غيره فى الوصول اليها، فموت الحاكم، او الثورة ضده
لم تحسم الامر نهائياً، فلا يزال الحاكم الجديد مهدداً بوجود الوريث للعرش، أو طامع
آخر للحكم، وهذا ما دفع العثمانيون لسن قانون "قتل الاشقاء"، فعندما كان
يموت السلطان العثمانى كان أبناؤه يسارعون بالعودة إلى استانبول، فى محاولة كل منهم
للاستيلاء على أموال الدولة ودفع الاموال للجيش، وعندما يستقر الحكم لاحد الابناء بالوراثة
كان يقوم بقتل اشقائه الذين فشلوا فى الاستيلاء على السلطة، ليأمنهم إلى الأبد، فكان
"محمد الثانى" (1429ـ1481م)" قد خنق جميع اشقائه الوارثين للعرش بواسطة
حبل من الحرير، وبعده قام السلطان" محمد الثالث" بقتل تسعة عشر شقيقاً له،
وابنيه، وخمس عشر جارية حبلة من ولده من اجل القضاء على جميع المنافسين المستقبلين.
قاعدة
الصالح العام؟
جميع القادة يرفعون
شعارات الصالح العام لأجل شعوبهم، فيدفعونهم للعمل، وزيادة الانتاج، وفى نفس الوقت
نجدهم يزيدون من الضرائب، وحقيقة ذلك هو رغبتهم فى توفير الاموال من اجل دعم بطانتهم
وحاشيتهم فقط، ويضرب الكتاب بعهد "موجابى" رئيس زيمبابوى، فلم يكن يبالى
بمعاناة شعبه نتيجة سياساته الفاسدة، أو صالحه العام، بينما كان حريصاً على دفع مرتبات
الجيش، فنجح بذلك فى البقاء فى السلطة على الرغم من أنه قد جاوز الثمانين من العمر
بكثير، وحول بلداً مزدهراً يصدر المنتجات الزراعية إلى بلد يعتمد على المساعدات الاجنبية،
فقد كان يجيد قواعد الحكم من رشوة المحاسيب، فأمن الاطاحة به.
قاعدة
البقاء فى السلطة؟
بعد وصول المتطلع
للحكم إلى العرش سواء بالتوريث، أو بالثورة، أو بالقتل، يواجه تحديات الإبقاء على المنصب،
فيصف ذلك الروائى الايطالى" ايتالو كالفينو"(1923ـ 1985م) قائلاً:"بمجرد
أن يتم تتويجك، وقد أصبحت ملكاً فما عليك إلا أن تولى السلطة، وما تولى السلطة إن لم
يكن هذا الانتظار الطويل؟ فعليك انتظار اللحظة الحاسمة التى سيتم فيها الاطاحة بك،
ويكون توديعك العرش، والصولجان، والتاج، ورأسك"، فعلى القائد الجديد من اجل الابقاء
على رأسه أن يجمع حوله تحالفاً من المؤيدين ويساندهم، وعليه أن يكون "ميكيافيللياً"
فلا يعتمد بأكثر مما ينبغى على الذين ساعدوه فى الوصول إلى الحكم، فذلك لأنهم ان عاونوه
فى الاطاحة بالحاكم القديم، قد يكررون ذلك معه، وعليه فانه على القائد الجديد أن يكون
فطناً ويستبعد هؤلاء، ويستبدلهم بآخرين تضمن مصالحهم ضرورة ولائهم له.
قاعدة
الفساد أحد وسائل الحكم؟
يرى الكتاب أن المرشحين
للمناصب العليا فى السلطة يضمرون النوايا الخيرة، بيد أن المشكلة تكمن فى أن فعل الأفضل
لشعوبهم قد يكون له أثر شديد السلبية على امكانية بقائهم فى السلطة، فعندما قال اللورد
"أكتون":" السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة" لم يبين
العلاقة بين السلطة والفساد، حيث السلطة تدفع إلى الفساد، والفساد يؤدى إلى السلطة،
فيجذب السياسيون المتلهفون للسلطة حوله حاشية من فسدة الجهاز الحكومى، لأنه متى وصل
إلى السلطة سيحتاج لمن يرتكب أعمال القمع من أجل بقائه فى السلطة، فموضوع تحديد الحد
الاقصى لأجور موظفى الحكومة، لا يقوم به الحاكم المستبد، فهو يعنى بالنسبة له التخلى
عن مكافآت الاعوان الذين يساعدونه فى البقاء فى السلطة، فيضرب المؤلفان مثالاً بالشرطة
فى روسيا، حيث المرتبات ضعيفة، على الرغم من الدور الحيوى الذى تقوم به لبقاء النظام
فى السلطة، إلا أن الحكومة تجد أن أسهل وسيلة لتعويض ولائهم هى تركهم يمارسون الفساد
دون كوابح، وفى نفس الوقت حين يتجه ولائهم بعيداً عن الحاكم، يكون مبررا لدى الحاكم
لمحاكمتهم بتهمة الفساد، فيتحول الفساد إلى وسيلة من وسائل الحكم.
قاعدة
منع التهديدات الثورية؟
ان التهديد الرئيسى
لأى حاكم يكمن فى انشقاق مؤيديه عليه، ونزول الجماهير إلى الشارع، وهو الذى يؤدى إلى
انتزاع السلطة منه، وعليه فان القائد العتل هو الذى يتمكن من منع مثل هذه التهديدات
الثورية، وتعلم دروسها عن ظهر قلب، والإلمام بها، وفى نفس الوقت على قادة الثورات معرفة
كيفية مواجهة هؤلاء القادة؟ فتندلع الثورات عندما يصل إلى الشعب قناعة بأن مواصلة العيش
فى ظل النظام الموجود أكثر سوءً من مخاطر التمرد عليه، فثمة توازن رهيف هنا، فمتى نجح
نظام معين فى اقناع شعبه بأن الخروج عليه يعنى بؤساً غير متخيل، يصل إلى الموت، فمن
غير الوارد مواجهته لأى تمرد، فى البداية يضطلع عدد قليل من الافراد بإعلان رغبتهم
فى التغيير، ووعد الجماهير بالإصلاح الديموقراطى، بيد أن هذا الوعد لا يتحقق دائما،
فترى المؤرخة السياسية الأمريكية، "باربارا توكمان"(1912ـ1989م) أن كل ثورة
ناجحة ترتدى فيما بعد ثوب الطاغية الذى اطاحت به، ويتساءل المؤلفان، متى يستطيع الشعب
إجبار ديكتاتور راسخ فى أساليبه، أو ثورى منتصر أمسك بالسلطة مؤخراً، على مراعاة مصالح
الشعب، بدلاً من مصالحه الخاصة؟ الاجابة: هى عندما تختار الأنظمة التحول إلى الديموقراطية
بدلاً من الحفاظ على الاستبداد، فيضرب المؤلفان مثالاً بالخروج على "مبارك"
قد كشف عن حجم الوعى لدى الشعب المصرى، وربما لان الكتاب قد صدر قبل الثورة على حكم
الاخوان، فان هذا الوعى جعل الشعب المصرى يرفض أن يحل حكم استبدادى محل آخر.
لاشك ان السياسة
لعبة لها قواعدها، شديدة التعقيد، لا يعرفها إلا من مارسها فى زمان بعينه، وفى مكان
محدد، فكل فلاسفة السياسة من امثال" ميكيافيللى"، و"هوبز"، و"مونتسيكيو"،
حتى "أفلاطون"، و"أرسطو"، وفى الشرق أمثال " عبد الرحمن الكواكبى"،
و"توفيق الحكيم"، كلهم فكروا فى فن الحكم فى السياق الضيق لأزمة كل منهم
الخاصة، فهم تصوروا المثالية السياسية فى حكم شعوبهم، بينما يكشف لنا الكتاب الذى بين
ايدينا عن كون الفساد سبيلاً للاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها، فكان الفساد دليلاً
للاستبداد والمستبدين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق