.

.

الإعلامي محمد عامر يكتب: صـورة المـرأة في الخطـاب الإعلامـي العربـي

إن مكانة المرأة في المجتمعات العربية تتباين من بلد عربي لآخر، ومعظم الأفكار السائدة عن المرأة سواء في عقلية الرجال أو وسائل الإعلام المختلفة تتناقض تماما مع الموقف المعلن لغالبية الدول العربية، فبعضها يعلن انحيازه المطلق لكافة حقوق المرأة، ثم تكون المفاجأة عندما تأتى بسلوكيات من شأنها ترسيخ مفاهيم التبعية، وتثبيت صورة المرأة بوصفها كائنا ضعيفا يشغل الترتيب الثاني في سلم المجتمع.
ومن الطبيعي أن يسهم الإعلام في تكوين الوعي المجتمعي بالمرأة سلباً أو إيجاباً، مستعيناً على ذلك برسائله الإعلامية التي تحملها الجريدة والمجلة، وتؤديها الإذاعة والتليفزيون، خصوصاً التليفزيون الذي أصبح أداة إعلامية خطيرة يتصل تأثيرها المتزايد بالأعمال الدرامية التي أصبحت تحتل مساحة متميزة من الخارطة الإعلامية.
و مواقف مؤسسات الإعلام العربية تتباين بدورها في النظرة للمرأة، فهناك مؤسسات ترى ظهور المرأة في وسائل الإعلام متعارضاً مع تقاليدها، وربما مع التعاليم الإسلامية، غير أن الدول التي تملأ الدنيا طنيناً بالحديث عن حقوق المرأة تتورط هي الأخرى في ترسيخ مفاهيم تنال من الحقوق الأساسية للمرأة العربية.
ولقد صنفت بعض الدراسات صورة المرأة، في الإعلانات إلى أربعة نماذج هي: المرأة التقليدية، والمرأة الجسد، والمرأة الشيء، والمرأة السطحية، هذه النماذج الأربعة تعمل على تشويه صورة المرأة وتنتقص من قيمتها كإنسان فاعل له دور في الحياة، غير الدور الترويجي المؤسف، كما تسهم في تعزيز النزعة الإستهلاكية لديها على حساب الروح الإنتاجية الواجب أن تسود عقل ووجدان المرأة وتحكم سلوكياتها، وتقدم هذه النماذج قدوة سيئة للمراهقات في المجتمع وتكرس مفاهيم خاطئة عن الأعمال المميزة التي يمكن أن تمارسها المرأة وتكسب من ورائها المال الكثير، خاصة أن العاملات في الإعلان يحققن ثروات طائلة من هذا العمل.
هذا الاختلاف في صورة المرأة لم يمنع من تشكيل ملامح وسمات عامة لصورة المرأة في الإعلامين المرئي والمسموع في العالم العربي، فمن السمات الغالبة على صورة المرأة أن جميع وسائل الإعلام تركز على المرأة في الفئات الاجتماعية الميسورة، أو المرأة في المدن كالطبيبة، أو حتى البائعة في المحال التجارية، وذلك دون التطرق لبعض الشرائح النسائية المشاركة بفاعلية في مناقشة قضايا مجتمعها، أو حتى المرأة التي تقطن الأحياء الشعبية داخل المدن الكبرى، ومناقشة همومها، وقضاياها الخاصة.
        كما إن من يتابع مسار الخطاب السلفي في البلاد العربية منذ القرن التاسع عشر يمكنه ملاحظة إحتلال المرأة منزلة الصدارة في هذا الخطاب، وتشكيلها محوراً واحداً لدى السلفيين رغم تباين مواقفهم، حيث أمكن بواسطتها دراسة الخطاب السلفي و التعرف على تفكير أصحابه للفضاء الاجتماعي الدائم التبدل تبعاً للعوامل الذاتية والموضوعية، وعلى الرغم من أن التشريع الإسلامي جاء تصحيحاً عادلاً لمكانة المرأة في المجتمع، حيث قضى على مبدأ التفرقة بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية وكفل لها مساواة تامة مع الرجل.
ويمكن القول أيضاً أن الخطاب السلفي في هذه الفترة قد أظهر موقفين متمايزين في طريقة تأويل النصوص الدينية ومحاولة تطبيقها على الواقع الاجتماعي عامة والمرأة خاصة، وفي فهم الواقع والموقف منه.
اتسم الموقف الأول الذي بدأ في القرن التاسع عشر بمناصرة قضايا المرأة وربطها بتقدم المجتمع، أما الموقف الثاني فقد بدأ يفرض نفسه عربياً وإسلامياً خلال العقود الأخيرة، وبدأ يشكل أهم أساليب التفكير و السلوك الظاهرين في الوقت الحاضر، واتسم برفض المكتسبات التي حققتها المرأة المسلمة، والمطالبة بالمحافظة على التقسيم التقليدي للمهام بين الجنسين.
وهنا يمكن صياغة الموقفين من خلال كتابات السلفيين المعاصرين التي تلخص موقفهم من المرأة، وتأثير هذا التفكير على المرأة في المجتمع الإسلامي، وهذا الموضوع يثير النقاش والاختلاف، لأن كل تغيير قد يمس الأنظمة السائدة والواقع والقيم الأخلاقية والفكرية، ومن غير الصحيح النظر إلى الخطاب السلفي على أنه تعبير عن الإسلام الحقيقي، بل توجد فيه قراءات متعددة للإسلام على ضوء الواقع الراهن، قد تتوحد وتختلف خلال المراحل المتعاقبة، كونها تعبر عن ظروف ذاتية وتصورات تحركها مصالح فئات معينة.
شاركه على جوجل بلس

عن جريدة النداء المصرية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق