" تلك الدار " أو " التغريبة السيناوية " ديوان شعر فصحي للشاعر المصري " عماد قطري " ، والديوان صادر عن دار المحروسة ، الطبعة الأولي 2010م ؛ وهو ديوان شعري يتضمن ثلاثين قصيدة من شِعْر التفعيلة تتراوح القصائد بين الطول والتوسط ، ويقع الديوان في 180 صفحة من القطع المتوسط إضافة إلي تعريف مختصر بالديوان ، وإهداء وتعريف بالشاعر ، والشاعر " عماد على قطري " شاعر مصري صدر له أكثر من عشرة دواوين ومسرحيات شعرية منها :
1- ديوان " عذرا سرا ييفو " 1995م
2 - يانيل 1998م
3- ما بيننا 1999م
4- العصافير 2007
5- عشرنساء يجئن خلف العاصفة 2009م
6- بعض ما قالت العارية
7- المحاكمة مسرحية شعرية 1999م
8 - وجع المنافي مسرحية شعرية 2009م , و " تلك الدار " ...الخ وعماد قطري شاعر له نشاط أدبي ملحوظ فهو عضو اتحاد كتاب مصر وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، ورئيس تحرير مجلة النورس الأدبية وعضورابطة النورس للأدباء العرب ومؤسس مركز العماد للإبداع والتنمية الثقافية , وتنقل " عماد قطري " في عمله بين مصر والمملكة العربية السعودية ، وهو يعمل حاليا مهندس بترول في المملكة العربية السعودية وقبلها كان يعمل مهندس بترول في سيناء .
وأما بالنسبة لديوان " تلك الدار " فإذا كان بالإمكان إيجاز رؤيتي عن الديوان بعد قراءتي الأولي له فهي " أن الديوان يمثل أنشودة حب لمصر وعشق لسيناء وتمرد على كل أنواع الفساد وثورة على كل أشكل الجبن والتكاسل والخيبة العربية في استرداد حريتنا وشرفنا وكرامتنا وأرضنا المحتلة " . ولذا فإن الديوان كله يمثل وحدة موضوعية واحدة ، فقضية
الديوان حب الوطن ، وموضوعه : عشق سيناء ، وهدفه : الشرف والكرامة وتحرير كل الأرض العربية المحتلة حتي هذه اللحظة ؛ والشاعر يعي و يدرك هذا تماما , فلم تأتِ قصائد الديوان لتمثل رؤية موضوعية ووحدة فكرية اعتباطا ، بل هو أمر مقصود ومُخطَّط له مسبقا فالشاعر يضع على غلاف ديوانه عنوانا فرعيا وهو " التغريبة السيناوية " بعد العنوان الرئيس للديوان وهو " تلك الدار " ! و " تلك الدار " هي سيناء فالدار المشار إليها هي قطعة غالية من أرض مصر ، واللام الملتصقة باسم الإشارة ليست لام البعد بل هي لام التعظيم والتقديس وإبعاد المشار إليه عن التدنيس والامتهان , والشّاعر في الصفحة الأولي من ديوانه يُعرب عن ذلك بشكل واضح وصريح :
" هذا الديوان " تلك الدار " هي الدار التي تحمل المجد غضّاً نديّا ، وتأبي الفناء ، هي الدار تاريخنا وجغرافيتنا والآتي
هي دار كرامة مباركة
هي الناس ... البدور
هي المكان ....والزمان
هي انتماء ... رغم كل محاولات الإقصاء
هي الفقر والجوع والإهمال والعطش والسيول
هي سيناء العبور
هي سيناء ليست محمية طبيعية أو قرية سياحية أو شاطئ عراة
هي سيناء
تلك الدار " 1
والشَّاعِر كَثَّفَ الوطن كله في سيناء فسيناء صارتْ رمزاً الكل الوطن ويمكننا أنْ نرى الصعيد في سيناء ، و أقاليم الدلتا في سيناء ، ومدن القناة في سيناء ، وأحياء المهمشين في القاهرة والاسكندرية في سيناء ، ويمكن أن نري العشوائيات في سيناء ، كما يمكننا أن نري المواطن المصري العاري الذي ليس له ظهر في سيناء ! سيناء تلك الدار هي رمز لكل الوطن / الحلم ، و رمز لكل الوطن / الواقع ، ورمز لكل الوطن / الفقد . !
وحتي الإهداء جاء مؤكدا الحالة العشق السيناوية ؛ فقد أهدي الشاعر ديوانه " لأبيه الذي علمه أن الأرض عرض ، وسيناء عرض غال كريم يجب الدفاع عنه والاستشهاد دونه " 2 فسيناء هي تلك الدار العامة التي يُحَوِّلُها العشْقُ إلي دار خاصة لكل مصري بل لكل عربي كريم .
وعناوين القصائد جاء معظها دالا - وبشكل مباشر أحيانا - على انتمائه للوحدة الموضوعية للديوان كله وتركيزه على هم سيناء الرمز لنقرأ هذه العناوين : الأرض عرضك والصباح – العريش – المهاجرون – بعض ما قال بدو الترابين – تلك الدار – زيتون – سيول -لا عرف – كلأ – ماء – معبر – نخلة كانت هناك – نسر – يا أيها المجد يا أيها الوطن الحنون – يا بدوي – دروب – حدود – رسالة جوابية من رمل سيناء إلي نيل مصر " وهي آخر قصيدة في الديوان , وحتي باقي القصائد والتي لا تدل عناوينها على قضية سيناء بشكل مباشر فإن صلب القصائد ومتنها ومحتواها داخلٌ بقلبه وقالبه في الموضوع الأساسي : سيناء / الوطن / الحلم / الحرية !
- كما سنري - من خلال هذه القراءة وذلك مثل قصائد : " الضاحية - الوعد يوم الزلزلة – بحث – عم صباحا – فيش وتشببه – قمح – ناي بعيد – يا أحمس قد عاد الهكسوس – يا واهما – يا ميت – يالعيني صباح " , وتكاد القصيدة الأولى في الديوان وهي قصيدة " الأرض عرضك والصباح " 3 ، تكاد أنْ تكثف رسالة الديوان كله فهي صرخةٌ في وجه الظلم ، ولطمةٌ للفساد ، ودعوةٌ للثورة ، وعشْقٌ للوطن . وَيُصَدِّرُ الشَّاعرُ قصيدتَه بخبرٍ عن تقديم النائب العام المصري للواء شرطة سابق وخمسة متهمين آخرين بتهمة بيع أراض في سيناء للإسرائيليين ، ولا شك أنّ مثل هذا الخبر جارحٌ ومهين لكل مصري وعربي ، ولذلك جاءتْ القصيدة حادة جارحة تصحبها موسيقي عالية تناسب حالة التحريض الثورة .
يقول الشاعر عماد قطري :
" الأرضُ عرضُك والصباح
و الْعِرْضُ غالٍ ليْسَ سَقْطاً أو مُباحْ
هذي الرمالُ بقلبها مجْدُ القبيلةِ والعظامْ
وماؤك المشتاقُ أوردةُ البراحْ " 4
فالأرضُ هي الوطن ، والوطنُ جُزْءٌ أصيلٌ مِن عرض الإنسان وكرامته ومن يحافظ على عرضه يمتلك الصباح ، ومن يفرط في كرامته فلا صباح له ، ولا سيتحق أْنْ يعيش لحظة واحدة على هذه الأرض الغالية ، فبقلب هذه الرمال يكمن المجد ، ويضم التراب عظام آبائنا وأجدادنا ، كما أنه هو نفسه الذي سيضم عظامنا إنْ عِشْنا كراماٌ شُجْعاناٌ أوفياء ! أما إنْ فرطنا في هذه الرمال الغالية فإنها ستلفظنا للكلاب الصهاينة وستقذفنا خارجها كما لم نحافظ عليها , ويتدرج الشاعر في قصيدته الغاضبة وثورته المتأججة فيخاطب في تؤدة وهدوء الصفات الأصيلة في الإنسان العربي ويحفز المعاني النبيلة في قلبه :
" ما كان ماؤك ينحني ... أو يرتضي الملح الأجاج
وبئرنا العذب القراح
مَنْ سيدي – يا ابن البداوة – أرهق الصبر ...
انتشى في وجه هاتيك الرياح ؟
أنت الذي زرع الإباء
وعاند الإقصاء في زمن النواح
أتخون أرضك والرمال ونخلها
وتبيع أرضك للسفاح ؟ " 5
فالفارس العربي الغيور الصبور لدرجة أنَّهُ أرْهقَ الصَّبْرَ نفْسَه ، و قَهَرَ الرياحَ ذاتَها لا يمكنُ أبداٌ أنْ يُفَرِّطَ في شبر واحد من أرضه / عرضه , فالفارس العربي ، والمواطن المصري هو من زرع الإباء ، وعاند الإقصاء .! ولعله من الدال جدا استحضار فعل الزراعة في أرض سيناء كما أنَّ من الدال – أيضا – استحضار معني معاندة الإقصاء التي تمارسها أنظمة الحكم على أهالي سيناء ، والزراعة ولإقصاء مشكلتان أساسيتان من مشاكل سيناء ؛ فإقصاء الزراعة عن أرض سيناء يترتب عليها إقصاء حقوق المواطنة الكاملة .
فإذا كنا نريد تعمير سيناء حقا فالحل سهل وهو زراعتها وإعطاء المصريين المزارعين والساكنين فيها حقوق المواطنة الكاملة وإذا كان الشاعر يعرض قضيته في صيغة سؤال : " أتخون أرضك والرمال ونخلها ؟ وتبيع أرضك للسفاح ؟ " فلأنه يدرك أنّ العربيّ لا يمكن أنْ يرضى بالخيانة ولا يمكن أن يفرط في حبيبته أو زوجته أو أخته أو أمه لسفاح لعين والأرض المصرية والعربية هي واحدة من هؤلاء ، فهي أم مكرمة أو أخت معززة أو زوجة حبيبة أو ابنة مدللة وإذا كانت الإجابة بالنفي القاطع – كما هو مؤكد – يلجأ الشاعر للطلب بالأمر والتحريض المباشر :
" مزق وجوه من ارتضوا وجه الأفاعي
- ها هنا - ...
عبئ سلاحك للكفاح
الأرض عرضك والصباح " 6
فإذا كانت الخيانة مرفوضة رفضا قاطعا فلابد إذن من تمزيق كل الوجوه التي رضيتْ بوجوه الأفاعي واطمأنتْ لها وجلستء معها على موائد العار و سلالم الانكسار ودهاليز السلام . ولامناص أمامنا من " التعبئة " والإعداد والتجهيز للكفاح بالسلاح وغير السلاح إذا كنا مصرين على امتلاك الصباح ، فإن لم نفعل فإن الرمال ستبلعنا ثم تلفظنا للبحار , وينتقل
الشاعر في سلاسة ويسر من الأفكار المجردة ليجعلنا نبصر شخصيات حية تسير على الأرض ، فهذه " سلمي " التي علَّمَها أبوها أو حبيبها حب البلاد هل نرضى أن نراها تسير خائفة مرتعشة ؟ هل نرضى أن نراها تسير ويسير خلفها شياطين وأفاعي وذئاب ؟ هل نرض أن يغتصب سلمي حيوانٌ أثمٌ ، أو عبدٌ قمئٌ
" سلمي التي علمتها حُبَّ البلاد
أترتضى خطو الأفاعي خلفها ؟
والسم في الآفاق فاح
سلمي تريد ديارها
أرض العروبة عزة
لن ترتضي عقد النكاح
سلمي التي لن ترتضي اليوم العدو مخادعا
في سترة التجار لاح
هم يدعون سلامنا
وقلوبهم ملأي بغدر حاقد
ينوي اجتياح
لا تأبهن لطغمة مأجورة
تبكي أسي
الكلب عادته النباح " 7
والشَّاعرُ في هذا المقطع مِن القصيدة يسجِّل موقفه بكل وضوح من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ، ويطالب بتمزيقها والغائها ، ويصورها على أساس أنها عقد نكاح باطل بل ويذهب إلي ما هو أبعد من ذلك حين يطالب المواطن العربي سواء كان راعيا أو واحدا من المواطنين البسطاء بطرد عدوه ، وانتظار المعركة التي يعقبها الفجر والنصر إن شاء الله يقول الشاعر :
" مزق جميع عقودهم
واطرد عدوك وارتقب ..
الفجر آت والصباح " 8
صورة سيناء في تلك الدار :-
أرض سيناء هي محْور الديوان كله ، وهي أساسه وموضوعه ، وهي في الديوان قطعة أرض غالية من مصر ن وهي رمز لكل الأرض المصرية
والعربية , وهي قطاع صغير يمثل ما يقع عليها من حرمان وإقصاء وتهميش وعدوان وإهمال " جزءا " مما يقع على المواطن المصري البسيط في كل أنحاء مصر , وأي أعتداء عليها أو تفريط في حقها هو اعتداء بالضرورة على الإنسان المصري ، وهو تفريط بالضرورة في حق المواطن المصري العربي المسلم سواء كان في سيناء أو مدن القناة أو القاهرة أو الدلتا أو الصعيد . ففي قصيدة " الضاحية " 9 - والضاحية المقصود بها ضاحية السلام في مدينة العريش ، وتقع في الضاحية مديرية أمن شمال سيناء فتلك الضاحية جُزْءٌ من أرض سيناء ولكنها تمثل الوطن كله حيث اختار الشاعر أن يصدر منها بيانا شعريا ووطنيا معا :
" هنا الضاحية ...
فيا أيها الواقفون اسمعوا ...
بعض ما في البيان :
لكم كل هذا المكان
لكم نبض ذاك الزمان
ولي سطوة النار والمسألة
ولن يسمح النسر بالمهزلة " 10
فالشاعر يعلن من الضاحية صرخةً للحرية ، وحربا على الاستعباد والامتهان ، أمَّا ما يؤكد رؤيتي حول جعْل الشَّاعر " الضاحية " رمزاً لكل الوطن فهو قوله في القصيدة ذاتها :
" فنحنُ الشموسُ .. البلادُ التي أنجبتنا ..
و نحن اللواء ..
و نحن الرمال احتوتْ ... دفقة من دماء الشهيد
و نحن العبور المجيد
و نحن العطش .... و نحن الوطن " 11
و بعد أنْ يكتبَ الشّاعرُ قصيدةً عن " الضاحية " وهي حي في مدينة العريش يبدع قصيدة عن " العريش " 12 ، ويبدو الشاعر مفتونا بجمال مدينة العريش ؛ الأمر الذي ترك أثره وفتنته على القصيدة فرفعها جمالا وسمتْ القصيدة في مدارات الجمال الشاعري بصورها وموسيقاها ورؤاها ها التجريدية التي كادتْ أنْ تفتك بالمضمون الأساسي للديوان وهو القصائد المنصبة على عشق الوطن والتمرد والثورة ، ولا يعني أن قصائد التمرد والثورة وحب الوطن مجافية للجمال الشعري بل هي جمال شعري في ذاته إلا أنّ المقصود أنّ صوت الشاعر المحرِّض في قصيدته
أعلى وأكثر صخبا من صوت باقي الأدوات الفنية ؛ وفي هذه القصيدة " العريش " هناك توازن مدهش بين مختلف الجماليات الفنية في النص
" من كان منكم عاشقا أو هائما
فليلقني الفجر ابتداءً
عند أهداب العريش
لا يصطحب غير الفؤاد
وبعض ماء
من عيون المجد في سهل العريش " 13
وتسبحُ ذاتُ الشّاعر مع جمال العريش إلي أن ترسو ذات الشاعر على شاطئ الهم الأول للديوان فيؤكد الشاعر أن العريش هي رمز للوطن ورمز للعزة وأن العريش تعشق ماء النيل وأن من أراد الكرامة فليبدأ معركته من العريش :
" الناس في بلدي العريش
قلوبهم تهفو لنيل الخير
أو طمي الوداد
ما زارنا غير النسور
وحفنة من نجمة
في الليل أشعلت السهاد
من كان منكم منتمٍ لبلادنا
هذي العريش بداية المجد المراد
هي قبلة الأحرار
رمزإ بائنا
بوابة الأمجاد
فيروز البلاد " 14
وجعل الشاعر سيناء ومدينة العريش نقطة للعبور والهجرة في قصيدة " المهاجرون " 15 ، حيث صور الشاعر هجرة بعض الشباب
من شاطئ العريش بعد أن ضاقت عليهم سيناء بما رحبت كما يقول الشاعر - بل وبعد أن ضاقت بهم مصر - وركبوا الموج إلي شاطئ المجهول وقد اتخذت القصيدة هذه الحادثة المشينة ذريعة للهجوم الكاسح على مصر وفضح كل أنواع الفساد المنتشرة على شاطئ النيل بداية من أسوان وحتي مصبه في البحر يقول الشاعر :
" نيل يموت ..
ونصف نيل ...يحتمي بالخوف
والرعب الشديد مع السكوت
وجه كلون الطمي في الدلتا ايئن
وسعلة هزت ذراع الإخطبوط
مصر التي في خاطري كالعنكبوت ...
ما عاد بيتك في البلاد
ولم تعد مصر التي في خاطري
تحمي البيوت ..." 16
فهنا حكم قاس على النيل بالموت ، وحكم شديد الوطأة على مصر كلها بالانهيار بسبب تخليها عن حماية أبنائها واحتضانهم ، ولا يمكن أن نلوم الشاعر على ثورته قبل أن نلوم حماة الوطن على تفريطهم في حق الوطن نفسه وحقوق أبنائه , ولا تخفي نبرة السخرية اللاذعة من الأغاني التي تمجد حب الوطن " مصر التي في خاطري وفي دمي " فمصر هي حقيقة في وجدان كل مصري ولكن كيف يستقيم هذا الحب مع طرد الوطن لبنيه ورميهم في أتون البحارليكونوا طعاما لغول الهجرة ؟ ولا ينسى الشاعر أن يقدم لنا " روشتة " العلاج قائلا :
" لست الملوم ولا الملام وإنما
قدر البلاد تبيعنا بخسا وعار
فاصفع وجوه السارقين الضوء
لا تترك ديارك للصوص و للكبار
وازرع إباءك في الوجوه
وفي القلوب
وفي الديار " 17
فالحل واضح وهو أنه لا مفر من الثورة على الظلم والتمرد على اللصوص وصفعهم ولكن حتي اللصوص ومن خانوا الوطن لا يفقد الشاعر الأمل فيهم فيخاطبهم خطاب رحمة ورأفة لعلهم يثوبون إلي رشدهمم ويتوبون من غيهم ويعودون إلي طيب أصلهم وكريم منبتهم يقول الشاعر " عماد قطري " :
" يا أيها السمسار رفقا بالوطن
لا تشتر الوجه المسافر
في الجوارح بالسراب
المال في يده العفيفة دمعة ..
جوع تشرب بالعذاب
الطين غاب " 18 ،
والقصيدة طويلة يطفح الفساد عبر كل كلمة من سطورها وتئن كلماتها من وطأة الخزي والعار الذي حل بمصر وينادي كل حرف في القصيدة
بأعلى صوته : ثورة .. ثورة حتي النصر , لذا فليس غريبا إذا قلنا : إن هذا الديوان كما أنه ديوان خاص بسيناء الرمز ، فهو ديوان خاص بمصر الثورة . وإذا كانتْ هناك قصائد بشّرتْ بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م فهذا ديوان كامل بشّرَ بهذه الثورة ودعا إليها وحرض عليها بشكل صريح ومباشر بما كشفه من فساد وخنوع وبيع للوطن واستهتار بكرامة المواطن المصري . أما قصيدة " الوعد يوم الزلزلة " 19 والمهداة إلي جندي مصري في سيناء فتصور سيناء باعتبارها محافظة حدودية يأتي إليها الجنود لأداء الخدمة فترة محددة لحماية حدود مصر دون أن تكون لهؤلاء الجنود أية حماية ودون أنْ تكون لهم في بلادهم وقراهم أبسط حقوق المواطنة يقول الشّاعر :
" أنت الذي تحمي الحدود
فهل لها في قلبك المذبوح دار ؟
يا سيد الرمل الصبور
وثغرنا
ماء العريش مسافر
والشط يرقب والغناء
إنا هنا ذقنا الهزيمة مرة
ذقنا المرار " 20
ولا شك أنّ كرامة الجندي جزء من كرامة وطنه ، وإذا كنا انتشينا جميعا بفرحة الانتصار وعبور القناة فإن انتكاسة الهزيمة حين نري أسرانا يُذْبحون مُرة وصعبة " إنا هنا .. ذبح الأسير وتحت أم عيوننا
بعد الهزيمة واندحار
إنا هنا يوم العبور أصالة
فرح الفؤاد وعشقنا طعم انتصار
إنا هنا ... ذبح الفؤاد بعهد سلم زائف
ركن الجميع إلي البوار
قل لي بربك ما السلام ؟
وما السلاح ؟
وما الولاء ...؟
الكل يرحل
إنما الأرض عرضك والسماء " 21 ، نعم والسماء شاهدة وبصوت الشاعر الثائر الصاحب الصارخ المباشر يزداد الهجوم حدة على القائد الظالم ونجله الذي كان يحلم بوراثة العرش ويهاجم النص بشكل صريح معاهدة " كامب ديفيد " ويذكرها بالاسم بلا مورابة ولا ضير في ذلك فنحن في حضرة ديوان الثورة وديوان التحريض عليها هذا الديوان الذي صدر عام 2010م .
وتظهر سيناء في قصيدة " بحث " 22 ، باعتبارها منتجعا سياحيا ويقارن الشاعر في قصيدته بين شواطئ المترفين من جهة ، وأهل سيناء ومواطني مصر البسطاء من جهة ثانية ! والمؤكد أن المقارنة ستنتصر لصوت الثورة لأن القصيدة قد نجحتْ تماما في تصوير الظلم الصارخ الواقع على أبناء هذا الوطن الحقيقيين وحماته . وينجح الشاعر في بيان استلاب معني الوطن على حساب شيوع الرأسمالية المتوحشة و تضخم المترفين :
" ابحث بجوجل الكريمة عن وطن
اكتب " وطن "
ماذا وجدت سوي الشجن ؟
سيناء فيروز البلد
الجوع أرهقه الجسد
والمترفون على الشطوط بلا عدد
وجباه أطفال البداوة
غالها بيع الزهورعلى الشطوط لمن يفد " 23
وفي هذا المقطع نلاحظ دلالة " البحث عن وطن " عبر محرك بحث أميركي ؟ لهذه الدرجة المتوحشة انفلت الوطن من بين أيدينا ؟ حتي صرنا نبحث عنه عبر فضاء افتراضي , كما نلاحظ الجمال القاسي لصورة " الجوع الذي أرهقه الجسد " وليس الجسد الذي أرهقه الجوع ؟ وللأسف بدلا من أن يجد المواطن العربي الوطن الذي يبحث عنه سيجد الجوع ، وبدلا من أن يجد كفايته سيجد " سيولا " تجتاحه وتوشك أن تدمره :
" واسترح
النيل باعك
واضطجع
اكتب سيول
وارجع وقل ...
جاءت سيول
راحت أصول
جاء الوزير
راح الوزير
والسيل أخرس جمعهم " 24 ، ويتحلي الشاعر " عماد قطري " بفطنة عالية ، و حساسية مرهفة ؛ فهو لا يصور سيناء في ديوانه " تلك الدار " مجرد قطعة من الأرض جرداء أو مجموعة من الرمال الصماء ولا يتحدث عنها بعزل عن ناسها وأهلها لذا جاءت قصيدة " بعض ما قال بدو الترابين " 25 لتؤكد أن سيناء ليست صحراء بل هي جنة ملأي ببشر طيبين أبطال شرفاء أنقياء ومواطنون صالحون لهم أحلام وطموحات كما أن لهم شكاوي ومطالب ولهم مستقبل مشرق كما أن لهم ماضيا تملؤه العزة والكرامه والأمجاد ولا يخلو من بعض الهزائم والانكسارات .
وتطمح القصيدة إلي التأكيد على وحدة النسيج المصري و وحدة طموحات و هموم المصريين سواء أكانوا من سكان الصعيد أو الدلتا أو مطروح أو سيناء وهذا لا ينتج إلا من قلب شاعر كبير محب لوطنه لدرجة العشق والوله ، و لا يمكن أن يصدر إلا من عقل مثقف واع يدرك هموم وطنه ويسعي لتحقيق أحلامه ، ويعمل على بناء انتصاراته ويجتهد في القضاء على صور الفساد وأشكال الفيروسات التي تنخر في بنية المجتمع يقول الشاعر على لسان بعض البدو من أهالي سيناء :
" أيها الآتي إلينا من ثنيات الوطن
كيف حال النيل والدلتا وأعماق الصعيد ؟
كيف ناس البحر والوادي الجديد ؟
هل بعقل الأم ذكري للعبور الفذ
أو ذكري الشهيد ؟
هل تراها تذكر البدوان في الرمل البعيد ؟
هل ترانا ...؟
أم ترانا ... بعض بدو أو عبيد ؟
نحن نبت الرمل في الوادي السعيد
نحن بدو المجد والرأي السديد
لم نزل نحمي الحدود
نفتدي أرض الجدود رغم بعد أو صدود " ؟ 26
وبعد أن استمع الشاعر لخطاب بدو سيناء يكون طبيعيا جدا بل مطلوبا أن يقوم الشاعر " عماد قطري " بإهداء قصيدته التالية " تلك الدار " 27 ، " إلي بدويٍ في سيناء " وتنكير كلمة " بدوي " لتفيد التعميم ولتكون
القصيدة مهداة إلي كل بدو سيناء , أما القصيدة نفسها " تلك الدار " فهي تصور لنا سيناء المقدسة التي كلم الله فيها موسي تكليما والتي شهدتْ مرور الأنبياء ونزول التوراة وجبل الطور والشجرة المباركة والأرض التي باركنا فيها أو باركنا حولها بعد أن صور الشاعر سيناء منتجعا سياسيا و منطقة حدودية و مكانا مهمشا و رمزا اللوطن كله وموطن للعزة والكرامة يقول الشاعر عماد على قطري في " تلك الدار " :
" يا هذا خفف من خطو
واخلع نعليك فأنت بسيناء ...
التين ... الزيتون ...
الفيروز ... الناس
تلك الدار الكبري
أبهي بل أبهي ...
أغلي أغلي من كل الألماس
تلك الدار العرض الأغلي
خلف السور استعلت أفعي " 28
الأنثى في الديوان :
وكلما أمعنا في قراءة الديوان اكتشفنا جوانب جديدة تمد الديوان ثراء وغني فالأنثي في الديوان حاضرة ولكن في الغالب بشكل هامشي لتكون الغلبة لسيناء " الرمز , وتحضر الأنثي لتمثل هما مصريا وعربيا يضاف إلي هموم المواطنة , فهي إما متوائمة مع سيناء المستباحة والمهدرة والمغتصبة ، ويأتي الشاعر بها ليقرب صورة بشاعة احتلال الأرض واغتصاب العرض في ذهن وقلب القارئ العربي ، وإما أن الشاعر يستحضرها ليؤكد قسوة " العرف " عليها وحرمانها من مشاعرها كما في قصيدة " عرف " 29 ، وأحيانا يكون حضور الأنثي ذهنيا فقط بمعني أن القصيدة يرد فيها اسم الأنثي ليلي أو سلمي دون أن تحمل القصيدة تجربة حقيقية لأنثي حقيقية وبالتالي فإن الإسم الأنثوي يكون عبارة عن مساعد في البناء الدرامي للقصيدة الثورية وبالطبع هذا كله يؤكد إخلاص الشاعر للحالة الثورية التي شحنت الديوان كله ولحالة التحريض ضد الفساد والزيف والطغيان , وإنني أدعو كل المهتمين والباحثين والموثقين لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م أن يضعوا ديوان تلك الدار " التغريبة السيناوية " للشاعر المصري عماد قطري في أوائل الدواوين
التي دعتْ لتلك الثورة المجيدة والتي حرضت عليها . والمجد لقصائد الثورة وللشعراء عاشقي الوطن .
الهوامش :
1 – ديوان " تلك الدار " للشاعر " عماد قطري " مركز المحروسة للنشر و الخدمات الصحفية و المعلومات ، الطبعة الأولى 2010 م ، ص 3
2 – ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 5
3 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 7
4 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 9
5 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 10
6 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 10
7 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 11
8 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 11
9 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 14
10 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 15
11 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 16
12 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 17
13 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 19
14 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 21
15 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 23
16 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 25 ، 26
17 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 27
18 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 27
19 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 35
20 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 37
21 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 38
22 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 43
23 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 45
24 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 47
25 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 49
26 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 51 ، 52
27 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 55
28 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 57
29 - ديوان " تلك الدار " للشاعر عماد قطري ص 71
0 التعليقات:
إرسال تعليق