حق الرد: د. حمادة حسنى مؤرخ مسلسل «الجماعة 2» يرد على د. خالد منتصر
نُشر فى عدد «الوطن» الصادر يوم الخميس 1 يونيو
2017 مقال للأستاذ خالد منتصر بعنوان: «حمادة ليه؟! مؤرخ إخوانى يشرف على
مسلسل الجماعة»، تناول فيه شخصى، موجهاً لى اتهامات تجافى الحقيقة، ففى
رائعة المخرج فطين عبدالوهاب، فيلم «الأستاذة فاطمة»، يقف الحاج عبدالعزيز
شرقاوى، الذى جسَّد دوره الرائع العظيم عبدالفتاح القصرى، ليلقِى بمرافعته
البليغة على مسامع القاضى والخصوم.
مدرسة عبدالفتاح القصرى فى قراءة وتحليل التاريخ
ينبرى «القصرى» ليطلق قذائفه الهزلية ببراعة
مدهشة بثقة نابعة من رؤيته لذاته، وهو يتوهَّم فى نفسه البلاغة، ويظن أنه
وقف على ناصية اللغة، وملَك زمام القانون، راح «القصرى» يتشدق بالعبارات
الجوفاء التى أضحكت الحضور، من عيّنة: «الذى والتى والمتهم الذى قتل
المدنية والمعمار»... ليصل المشهد إلى ذروته الهزلية، حين يسأل القاضى
الحاج عبدالعزيز السؤال المنطقى: «لمّا انت ما بتعرفش تتكلم، مش كنت توكّل
محامى»، فيجيب «القصرى» بجاهلية مفرطة: «الله!!! هو المحامى هيعرف إيه أكتر
من اللى قُلته.. أنا راجل متعلم»، ليصيب بمهارة وظُرف كبدَ الحقيقة
المؤلمة، فكم من جهّال يظنون فى أنفسهم العلم والتخصص تماماً كالحاج
«عبدالعزيز»!
وفى إطار ما سبق، واستكمالاً للمشهد الهزلى،
أتحفنا الأستاذ خالد منتصر بمقال عن كاتب هذه السطور، وعن دوره فى المراجعة
التاريخية لمسلسل «الجماعة» للمبدع وحيد حامد.. وقبل الاسترسال فى تفنيد
ما ورد بمقال المذكور، نحب أن أوضح الآتى:
كان لى شرف الدراسة فى كلية الآداب، جامعة عين
شمس، قسم تاريخ، وحصلت على الماجستير والدكتوراه من نفس الكلية بتقدير
مرتبة الشرف الأولى، ثم شرفت بعد ذلك بالعمل فى جامعة قناة السويس.
وكان عنوان رسالة الماجستير: «التنظيمات السياسية
لثورة يوليو» (1953 - 1961) ورسالة الدكتوراه بعنوان: «الاتحاد الاشتراكى
العربى» (1962 - 1976)، وكنت أحد القلائل ممن تخصصوا فى تلك الحقبة، وهى
فترة قريبة جداً من عصرنا الحالى، ولها الكثير من المؤيدين والرافضين لها..
وهذا لا يعنى المؤرّخ فى شىء، فإذا كان الصحفى يقبل بنصف الحقيقة، فالباحث
المؤرخ لا ترضيه إلا الحقيقة كاملة.
وأثناء إعدادى لرسالتَى «الماجستير والدكتوراه»،
التقيت مع أغلب الضباط الأحرار، وسمعت منهم شهادات حية عن تلك الفترة
وأحداثها، وهو ما حدث أيضاً مع الكثير من الشخصيات السياسية من التيارات
كافة وقتئذٍ، لإيماننا بأن التاريخ هو العنصر الأساسى لتكوين الوجدان
القومى للفرد والشعب، ومن واجب كل مؤرخ يعرف الحقيقة أن يصحح التاريخ لمن
لا يعرفونه، أو يزوّرونه، لأن هذا التصحيح لا ينصب فقط على الماضى، بل ينصب
على الحاضر والمستقبل، وفى كل ذلك يتسلح المؤرخ بأدوات ومنهج علمى صارم،
فكتابة التاريخ هى عمل بالغ الصعوبة لا يقدر عليه إلا متخصص درس منهج البحث
التاريخى العلمى، ودراسة واقعة تاريخية معينة تقتضى الإحاطة بالعصر الذى
وقعت فيه، والنظام السياسى الذى وقعت فى ظله، وعلاقات الإنتاج السائدة فى
المجتمع الذى حدثت فيه، ودراسة أدق تفاصيل ذلك الحدث التاريخى من مصادره
الأصلية، وبالرجوع إلى وثائقه وعدم ترك شاردة أو واردة من تلك التفاصيل دون
الإحاطة بها، وإلا وقع المؤرخ فى خطأ فادح يؤثر على عملية إعادة تركيبه
لصورة الحدث التاريخى، وقد لا يعرف القارئ أن الجملة التاريخية هى جملة
صعبة للغاية، وتوزَن بميزان من ذهب، لأنها تحتاج إلى إحاطة شاملة بكل
تفصيلات الواقعة التاريخية، وإلا جاءت مخلخلة أو خاطئة، وقد تحتاج كتابة
جملة تاريخية صحيحة واحدة إلى قراءة عشرات المصادر، ومئات الوثائق،
والإحاطة بكل الظروف التاريخية للواقعة التاريخية، ولكن بعض أنصاف الأمّيين
وأشباه المثقفين يتجرّأ على الكتابة فى التاريخ أو نقد الدراسات
التاريخية، دون أن يتزوّد بالعلم أو الموهبة أو الفن اللازم لكتابة ما
يكتبه، وتزداد حالة هؤلاء سوءاً، حين يتوهمون بعد كتابتهم الرديئة أنهم قد
أصبحوا فى الوضع العلمى الذى يمكّنهم من نقد أساتذة التاريخ، بل أن يقفوا
منهم موقف الأستاذ من التلميذ، ثم تزداد حالة هؤلاء بؤساً حين يتملكهم
الغضب، لأن نتائج بعض الدراسات التاريخية العلمية قد جاءت على غير هواهم،
أو على غير ما هو مسجل فى معلوماتهم الضحلة، فينطلق لسانهم بالشتائم
والبذاءات المقذعة، ويتهجمون على أساتذة التاريخ اعتقاداً منهم أن هؤلاء
الأساتذة مخطئون ومغرضون، وأنهم وحدهم أهل الصواب والعلم، وهذا ما وقع فيه
الأستاذ «خالد»، وقد فوجئت بهذا الكاتب وهو ينهال علىّ بالشتائم والأكاذيب،
وكان واضحاً أن الكاتب المهذب عاجز تماماً عن فهم ما يقرأ، مع أن أول صفة
فى أى كاتب يحترم نفسه هى أن يفهم ما يقرأ، بدلاً من أن يتسرع بنتائج خاطئة
لقراءة خاطئة وإهانة مخالفيه فى الرأى بألفاظ تتناول أشخاصهم، ويختلق
أكاذيب وترّهات لم ترد فى أى نصوص كلامى، ولكن هذه هى أمانة الكلمة عند
الذين يتاجرون بأى شىء، ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التى تلوث حياتنا
الديمقراطية الحالية، وهم معذورون فى ذلك، لأن تجربتهم فى ظلام الماضى لم
تعلمهم آداب الحوار، أو أخلاقيات الخلاف فى الرأى والحوار مع الخصوم،
خصوصاً إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين.. ولم يسبق أن كتبت أو
تكلمت فى غير تخصصى الأصيل احتراماً لنفسى ولغيرى.
وأعلم أن الأستاذ خالد يعمل طبيب أمراض جلدية -مع
احترامنا التام لكل المهن- ولكنه أباح لنفسه التحدث والكتابة فى المجالات
كافة (الطب - التاريخ - الأديان - الفكر - المذاهب - الشريعة - الفنون -
الاقتصاد.. إلخ)، وكما قال أحد الحكماء: «مَن تحدَّث فى غير فنّه، أتى
بالعجائب».
إن المؤرخ لا يقبل بأن يخضع لسلطان غير سلطان
الحقيقة التاريخية، مهما تعرض لصنوف الإرهاب الفكرى أو محاولات الوشايات
الصريحة، وقد استنفد الأستاذ خالد كل أساليبه فى بث الأكاذيب وتوزيع
الاتهامات الجزافية، ومارَس هوايته فى تفخيخ محتوى المقال بالبلاغات،
بعيداً عن المنهج العلمى فى طرح التساؤلات ومناقشة الأفكار، فى أسلوب لا
يخلو من الابتذال والسوقية الفجة.
ثانياً: كتب الطبيب منتصر: «كنت فى غاية الدهشة،
حينما عرفت أن المشرف على مسلسل الجماعة هو الدكتور حمادة حسنى»، هذا مع
العلم أننى كنت المشرف التاريخى على الجزء الأول من المسلسل، الذى عُرض فى
عام 2010، وتعرضت وقتذاك لهجوم شديد من جانب أنصار جماعة الإخوان، فكتبت
مقالاً نُشر فى جريدة «الشروق» يوم الأربعاء 13 أكتوبر 2010، بعنوان:
«خليفة البنا كان ماسونياً»، ويمكن الرجوع إليه عبر الرابط التالى:
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=13102010&id=1e066318-5132-47a3-9b89-ebf7c385796e
ثالثاً: زعم خالد منتصر أن كراهيتى للرئيس الأسبق
«عبدالناصر» ترجع إلى أنه تم القبض على أفراد عائلتى من جماعة الإخوان
المسلمين، وهذا غير صحيح تماماً، وأنا أتحدى الأستاذ خالد بأن يأتى لى بأى
اسم من أفراد عائلتى سبق اعتقاله لأى سبب سياسى أو جنائى، حتى ولو يوماً
واحداً فقط.. ولم يسبق لى أو أىٍّ من أفراد عائلتى الانتماء لأى حزب أو
جماعة على الإطلاق، فأين إذاً الموضوعية فى توجيه الاتهامات والسباب؟! فمن
أين استقيت معلوماتك يا أستاذ.. يا موضوعى.. يا محايد؟
رابعاً: يعلم الجميع قيمة وقامة المبدع الكبير
الأستاذ وحيد حامد، وهو صاحب رؤية وموقف تجسّدا فى أعمال عظيمة، منها:
«البرىء» و«طائر الليل الحزين»، و«اللعب مع الكبار» و«كشف المستور»
و«الغول» و«المنسى»، و«طيور الظلام»، وغيرها.. وبعض هذه الأعمال ظهرت قبل
مولد كاتب هذه السطور، فلا تكلف نفسك يا أخ منتصر عناء القيام بدور «مرشد»،
أو موجّه، وتلعب مع الكبار.
خامساً: صناعة الدراما التاريخية صناعة صعبة،
لاختلاف الروايات التاريخية، والصعوبة فى بعض الأحيان للترجيح بينها، ما قد
يُحدث حواراً ونقاشاً وجدلاً حول سبب هذا الاختيار لرواية تاريخية معينة
دون غيرها، فكاتب الدراما يبدأ من حيث ينتهى المؤرخ.. ويبقى التأكيد على حق
أى مبدع فى أن يتناول أى حدث أو قضية مهما كانت مواقفه الشخصية من هذا
الحدث، أو تلك القضية، وفى النهاية يبقى الحكم للجمهور والنقاد.. والأستاذ
وحيد حامد فضّل أن يكتب دراما تاريخية مباشرة، ولم يقُم بتمرير الأحداث
التاريخية فى إطار اجتماعى، كما يحدث فى بعض الأعمال التاريخية، ذلك مكّنه
من تركيز فكرته، وتقديمها بشكل مكثف، ولم يضع سقفاً أعلى الرقابة بمختلف
أنواعها أثناء الكتابة، وأنه كان متحمساً للكشف عن الحقيقة الغائبة، وشكّل
المسلسل تحدياً لذاكرة ممسوحة، وأصاب البعض، إما بالصدمة، وإما بالدهشة،
كما استطاع أن يعمّق من إحياء الشوق إلى المعرفة، وكشف كسل المؤرخين، وتعرض
المسلسل مع بداية عرض حلقاته الأولى لهجوم عنيف من كل الأضداد الناصريين
والوفديين والإخوان، بل إن الأستاذ وجدى زين الدين كتب فى جريدة «الوفد»
مقالاً عنيفاً تحت عنوان: «هذه دعارة درامية»!! هاجم فيه مؤلف المسلسل،
واتهمه بتشويه دور وتاريخ مصطفى النحاس، وختم مقاله قائلاً: «المؤسف أن
وحيد حامد يبدو أنه اعتمد على شخصيات فى جمع المادة التاريخية لهم اهتمام
بالناصرية وعداء شديد للوفد، وليسوا متخصصين فى التاريخ الحديث، واعتمدوا
على وقائع مكذوبة..».
سادساً: أرى أن هناك بوادر حملة تهدف إلى صرف
الأنظار بعيداً عن المسلسل وأحداثه، والتشويش عليه وعلى القائمين به، ويصب
كل ذلك بلا شك فى صالح «الجماعة» وأنصارها يا أستاذ خالد.. فأرجو أن تسأل
أصدقاءك (المحمدات أساتذة التاريخ): هل توجد أحداث بالمسلسل -إذا كنت قد
شاهدت أى حلقة منه أصلاً- بعيدة عن الموضوعية والحيادية والحقيقة
التاريخية، فكان من باب أولى أن تنتظر انتهاء عرض المسلسل أو حتى نصف
حلقاته، حتى تكون ملامحه الفنية ورؤية مؤلفه قد اتضحت.. ولكن سرعان ما نصبت
نفسك حارساً لـ(وجدان وعقل الأمة)، ومارست ضدنا إرهاباً فكرياً ممجوجاً..
فأنا أتابع أغلب ما تكتبه، ومن فترة طويلة، ومثلك يريد أن يشتهر بأى شىء
يُظهره حتى ولو كان تلفيقاً.. وعباراتك بها ما تتهمنى به الآن (.. مغموسة
فى حبر الكراهية المسمومة بعين النفور والتقزز من رداءة الأسلوب وغل
التعبيرات)، ولكننا نقبلها منك فى إطار انحيازنا الدائم والمطلق لحرية
الرأى والفكر والاعتقاد، وكما قال الشاعر أبوالأسود الدؤلى:
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتىَ مِثلَهُ ** عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ
عموماً توجد حالة (مكارثية) انتابت الكثير من
(المثقفين) فى الفترة الماضية لأسباب شخصية ونفسية، ونحن فى مسيس الحاجة
إلى نخبة مثقفة مستنيرة واعية بخطر استمرار هذا الفكر المكارثى.. وحفظ الله
مصر.
نقلاً عن جريدة الوطن
0 التعليقات:
إرسال تعليق