.

.

د.خالد عبدالغنى يكتب : أيام الهايكستب (يوميات جمال البنا في المعتقل)




أيام الهايكستب (يوميات جمال البنا في المعتقل)
([1])
       في عام 1994عملت في شركة المعلومات المحدودة لألتقي بعدد ضخم من شباب الإخوان الذين كانوا دائما ما يميزون أنفسهم عن غيرهم بأعمال بسيطة لا تأخذ جهدا كبيرا وتعود عليهم بربح كبير داخل الشركة بالإضافة لسعي بعضهم لترقية البعض الآخر حتى وإن كان غير كفء – كانوا من إخوان المنصورية ومصر القديمة وبعض الأقاليم مثل الشرقية والمنوفية والغربية، ورأيت بعضهم مؤخرا في قناة يناير 25 الناطقة باسم الإخوان -، حتى كانت وفاة المرشد الأسبق محمد حامد أبو النصر، وفي العزاء رأيت مصطفى مشهور والشباب يقبلون يده فهالني ذلك وكانت المرة الأولى التي أرى فيها مثل هذا المشهد.
      وتمر السنوات وأغيب عن الوطن سنوات سبع وأتابع أزمة أبو العلا ماضي وخروجه من الجماعة بعد أن مكث بها أكثر من عشرين عاما وندمه على دخوله فيها ونصيحته للشباب بألا ينتسبوا لها بأي حال ومصدرنا في هذا حوار تليفزيوني معه في أوائل عام 2010 بقناة دريم بمناسبة تولي المرشد الجديد محمد بديع – الذي كان عضوا بتنظيم 1965 برئاسة سيد قطب - بعد الإطاحة بكل من عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد حبيب  ولم يكن ذلك غريبا علينا بل توقعناه بناء على أن محمد بديع كان من تنظيم 1965 وهذا ما يرشحه بقوة وفق التعاليم غير المنشورة لخصائص من يتولى منصب المرشد حيث ان الذين سبقوه باستثناء عمر التلمساني وحسن الهضيبي كانوا من أعضاء النظام الخاص ، واذكر في هذا المقام أن منصب الإرشاد كان مرشحا له أحمد أبو حسنين في وقت سابق إلا أن مؤهله الدراسي وهو دبلوم صناعة حال بينه وبين هذا المنصب وان كان الرجل جديرا به لتاريخه النضالي في النظام الخاص أيضا فكان مسئولا عن الأقاليم أيام حسن الهضيبي، وقبلها كان ترتيبه الخامس ضمن المتهمين في قضية السيارة الجيب 1950 وكان عمره آنذاك 30 عاما وتوفى في ديسمبر 2007.
      أما جمال البنا فهو كاتب مثير للجدل، كانت له صولات هنا وجولات هناك، معارك وأزمات، اقتحم حقول الألغام بآرائه الجريئة ، وأفكاره المتجددة، لم يعرف يوما الحد الفاصل بين المسموح والممنوع ، ورغم أنه عاش في مجتمع لا يزال يعتبر قضاياه الدينية والفقهية "تابوهات" محرمة، والاقتراب منها  بالنقد والتحليل رجسا من عمل الشيطان ، إلا أنه لم يخش لومة لائم .
     نشأ جمال البنا، الذي ولد عام 1920 ومات عام 2013، في بيت أزهري ، وهو الشقيق الأصغر لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، ورغم هذا كان يعلن خلافه مع الجماعة ورفضه لأفكارها حتى وهو داخل السجن مع قياداتها، وفى حياة شقيقه مرشدها الأول.
      دوًن البنا يوميات حياته في معتقل الهايكستب الذي دخله عام 1948 ، مع مجموعة من قيادات الجماعة الذين يوصفون بـ "الرعيل الأول" ، وكتب عن علاقته بهم ، وعن مبادئهم ومواقفهم وطريقة تفكيرهم ، ليكشف عن مفاجآت ربما تقود إلى المقولة الشهيرة "ما أشبه الليلة بالبارحة". ولعل خلاصة تلك اليوميات تؤكد ما ذكره الشيخ محمد الغزالي  في كتابه قذائف الحق .منشورات المكتبة العصرية . صيدا . بيروت . غير مبين سنة النشر. صفحة 69 حين يقول  " انتسبت لجماعة الإخوان في العشرين من عمري ومكثت فيها قرابة سبع عشرة سنة كنت خلالها عضوا في هيئتها التأسيسية ثم عضوا في مكتب الإرشاد العام وشاء الله أن يقع نزاع حاد بيني وبين قيادة الجماعة انتهى بصدور قرار يقضي بفصلي وفصل عدد آخر من الأعضاء ، وأريد أن أكون منصفا  فان الزعم بأن جميع الإخوان أشرار سخف وافتراء ، والزعم بأن الجماعة كلها كانت معصومة من الخطأ غرور وإدعاء ".
    نعود الآن لمذكرات جمال البنا التي يقول عنها الأستاذ منصور أبو شافعي " أثناء بحثي عثرت على ظرف مكتوب عليه «الهايكستب.. أوراق المعتقل».. ففتحته ووجدت بداخله أوراق قديمة مختلفة الأحجام والأشكال وغير مرتبة، فأخذته إلى الأستاذ جمال الذى بمجرد مشاهدته ابتسم وقال: ياه.. وأخذ يقص عليّ حكاية هذا الاعتقال الذى تم ليلة حل جماعة الإخوان المسلمين فى 8/ 12/1948م واستمر ما يقرب من عامين وشمل هذا الاعتقال إخوانه (عبدالرحمن - عبدالباسط - محمد) ويقص على حكاية هذه الأوراق، وكيف كان يكتبها على مكتب بدائى مكون من سطح خشبى موضوع على أقفاص، وكرسى عبارة عن صناديق صابون، وكيف كان يوفر الورق الذى كان نادراً فى معتقل الهايكستب، وكان متوفراً بكثرة فى معتقل الطور بفضل كرم وكيل مكتب تلغراف الطور الذى كان يمنحه دفاتر الحوافظ اليومية القديمة، وحكى لى أن قومندان المعتقل فاجأ «الحذا» (العنبر) المجاور وعاث فيه فساداً وفى نزلائه سباً، وقبل أن يأتى عنبرهم، مزق زملائه ما كتبوه من مذكرات وتخلصوا مما صنعوه من معدات وأدوات للراحة، وأتاه نفر من المعتقلين يرجونه أن يتخلص من أوراقه الكثيرة سواء بالتمزيق أو بالحرق فرفض بإصرار، وإزاء إصراره عاونه الإخوان فى إخفاء هذه الأوراق بدفنها فى الرمال حتى انتهت هجمة القومندان فأخرج أوراقه واستأنف الكتابة، وأنه رغم نجاحه فى إخراجها معه من المعتقل وحرصه على الاحتفاظ بها والمحافظة عليها إلا أنها لم تنجوا من حكم الزمن بتلف بعضها نتيجة الرطوبة أو الفئران وبضياع بعضها نتيجة تنقلات السكن أو باختلاطها مع أوراق أخري، وبتداخل صفحات الباقي خصوصاً وأن أغلبها غير مرقم. وهكذا يتضح مدى الجهد الذي بذله محقق اليوميات.
    ونلقي نظرة على اليوميات لنجد فيها أراء غاية في الأهمية والحق أقول أنها لم تدهشني ولم تضف إلي جديدا حول شخصية الإخوان لأني عندما نشرت دراستي " قهر الضحية وجنون الجلاد حول رواية " العسكري الأسود " ليوسف إدريس عام 2009م جاء فيها أن الشخصية الإخوانية تتميز بالبرجماتية _ النفعية – والذوبان في الجماعة و التوحد بالمعتدي عندما يمتلك السلطة وهذا ما أكدته الأيام الحالية . نعود إلى اليوميات لنقرأ فيها " ولقد ألقيت بهذه المناسبة نظرة على الورقة التى كتبها الأستاذ صالح عشماوى ليطلب من أهله حاجياته، وفيها أسماء الكتب فرأيت أنه يطلب هذه الكتب «الرسالة الحميدية» ، «الحصون الحميدية» فقه الأذكار «أول وثاني» و«فقه السنة» و«المصحف» .. وهكذا كانت ثقافة الأستاذ صالح عشماوى محرر الجريدة، ووكيل الإخوان ورئيس مجلس إدارة شركة الإخوان". ويقول في موضع آخر " الواقع أن الإخوان مشايخ وقد اتضح ذلك تماماً فى هذه الأيام ولكن ما يحير الإنسان ويثيره أشد الثورة أن يزعموا بعد ذلك أن الإسلام كل شئ، وهم أنفسهم - كنماذج إسلامية - لا تحسن إلا قراءة المأثورات، ومطالعة أمثال كتب الأستاذ صالح «عشماوي»" . وبعد.. فهذا كتاب يجب أن يقرأ ، وجهد يجب أن يشكر عليه الأستاذ منصور أبو شافعي الذي قام بتحقيق هذه اليوميات.






[1] - كتبت هذه الدراسة في نهاية يناير 2013.
شاركه على جوجل بلس

عن جريدة النداء المصرية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق