أية جهود منشودة
لتطوير الخطاب الديني سيكون مسارها الفشل الذريع؛ لأن هذا الخطاب المُفَارِق لروح
وغايات النص القرآني الكريم... لايزال وسيبقى يستجلب مفاهيمه وأسلحته من موروث
فقهي ومقولاتي؛ يُعدُّ تعبيراً عن فُهُوم بشرية ابنة زمانها القديم.
وهذا
الموروث القولي غير المُحدَّث - وفق "فقه المواءمات" و"فقه
الضرورات" و"فقه الغايات"- ارتقي في قداسته المتوهمة إلى الدرجة
التي يتحكم فيها بشراسة في كل طرائق الوصول إلى غايات رسالة السماء القرآنية، التي
أبلغها الرسول الأكرم "ص" ناصعة جلية بينة؛ تُراعي أسباب النزول
وزمانها؛ وتستوعب كل المتغيرات "السماح بتأبير/ تلقيح النخل نموذجاَ"؛
وما ستأتي بها الأيام إلى أن تقوم الساعة إثباتاً لصلاحية هذه الرسالة وإعجازية
دستورها. لذلك فالرأي الإفتائي الذي أطلقه مؤخراً الدكتور سالم عبد الجليل
بالقول: "من يحتفل بعيد الأم يستحق قطع رقبته"!!! يُمثِّل اجترارا
لمقولات متهالكة منذ قرون وهي مفروضة على أسماعنا؛ حيث تدور في إطار توصيف البدعة
والابتداع من دون تقدير متغيرات الزمان. إن المشكلة التي
نعيشها مع مثل هذه الماكينات الإفتائية الاجترارية، الساعية لإثبات قاعدة المسمى
الذي يتشبثون به بأنهم "العلماء"... تدعو إلى ضرورة إدراك الجوانب
المسكوت عنها في نهجهم وخطاباتهم؛ حيث ينظرون إلى العقيدة من منظور وحيد أحادي الجانب؛
قاعدته: التضييق قدر المستطاع في المسموح؛ منعاً لحدوث الإفراط وما يستتبعه من
تفريط!! لذلك فهم يتغافلون عن التطور المذهل الذي طال الحياة بتيسير الله،
ويتعمدون إخفاء قاعدة "دوران الحكم مع العلة"؛ فيصرون على إبقاء كل
الأحكام الفقهية وجوبية ولازمة... مهما "انقضت العلل" وانتهت ولم يعد
لها وجود؛ ليضمنوا هيمنتهم الوجدانية على الجمهور ترسيخاً لمُسمى لقب العلماء الذي
يحتكرونه!! كما أنهم لا يَفْصِلُون في فهمم الظاهري المُسطَّح بين العادة
الاجتماعية الحسنة التي ترسخ مسلكية محمودة واتبعها الناس، وبين العادة التي
تَجُرُّ إلى الزلل الأخلاقي؛ فيظلمون العقيدة الإسلامية المتوازنة والإنسانية
النزوع؛ والتي يمكن أن تهضم في سياقها ما اعتادته الأقوام وأهل الديانات الأخرى
خاصة ذات الجذور الخيرة... "صوم عاشوراء نموذجاً" وقد كان اليهود
يؤدونه؛ فصار سُنَّةً إسلامية حميدة بقول الرسول "ص":َ "... فأَنَا
أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم.ْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ".
إن هؤلاء
لا يُوظِّفون نهج السلف العقلي المنتسبين إليه زوراً، بتحريك أو توسعة ما استنوه
لاستيعاب المتغيرات الحادثة في الحياة إذا كانت حسنة؛ ولا تتصادم مع أحكام العقيدة
في جوانب التوحيد وتداعياته العبادية!! لذلك فهم يضعون على
أبصارهم منظاراً لا يظهر لهم سوى عبارة "كل مستحدثة بدعة"؛ متناسين أنهم
في عصرنا هذا يغرقون في التنعم بألوف المستحدثات والمبتدعات من المخترعات؛ أما
بالنسبة لحياة الناس فيجمدونها عند الوقائع الماضوية في كل شيء؛ ويرفضون أية
مسلكية مستجدة حتى لو كانت حسنة وتؤدي غرضاً إنسانياً جميلاً.
لقد
تناسى أصحاب العقل العقدي الماضوي المتسلفن من "فقهاء التحريم" أن
الاحتفال بعيد الأم تذكيري في مناسبته ولا تترتب عليه مرفوضات أو مكروهات عقدية؛
بمعني إقامة مبتدعات شعائرية وعبادية؛ والوقوع في فخ التسمية... كما وقع يوسف
القرضاوي بقوله:" فلنسمه (يوم الأم) بدل (عيد الأم)؛ لأن فكرة العيد عندنا
مرتبطة بالدين"!!
.
الرئيسية / رأي
/ رأفت السويركي يكتب : في نقض وصف "عيد الأم"بالبدعة..."فقهاء التحريم" حين يستمتعون بكل المبتدعات
- تعليقات بلوجر
- تعليقات فيسبوك
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 التعليقات:
إرسال تعليق