.

.

د . يسري عبد الغني يكتب: ومازال العم نجيب يعلمنا ..



د . يسري عبد الغني يكتب: ومازال العم نجيب يعلمنا ..
        العم نجيب محفوظ علمنا كثيرا ومازال يعلمنا ، وسيظل يعلم الأجيال التي ستأتي بعدنا ،  وهو من خلال حوارات أبطال روايته «الحرافيش» يقول لنا: «من يحمل الماضي تتعثر خطاه»، «النجاح لا يوفر دائما السعادة»، «الحزن كالوباء يوجب العزلة»، «لا توجد الكراهية إلا بين الأخوة والأخوات»، «ألا ترى قاتلا يمرح وبريئا يتعذب ؟»، «من الهرب ما هو مقاومة»، «لن نمل انتظار العدل»، «لا قيمة لبريق في هذه الحياة بالقياس إلى طهارة النفس وحب الناس وسماع الأناشيد».
       ومن فينا ينسى أبدا ما كتبه كاتبنا الكبير في نهاية رائعته هذه : قال له قلبه لا تجزع فقد يفتح الباب ذات يوم تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة                               .

        كما لن أنسى   مع جيلي أبدا حزننا وغضبنا يوم الجمعة 14 أكتوبر 1994. اليوم الذي تعرض فيه كاتبنا الكبير لحادث رهيب – طعنة في رقبته وكان أمام منزله (172 شارع النيل- العجوزة) وكانت الساعة الخامسة مساء. وبالطبع يجب أن نتذكر دائما ما جرى على امتداد السنين من محاولات متعددة لتكفيره منذ أن نشرت روايته «أولاد حارتنا» (1959). وبسبب هذا الحادث الأليم توقفت يده اليمنى عن إمساك القلم والكتابة بها ( وهو في الـ 83 من عمره) ليدخل بعد ذلك نجيب محفوظ وبكامل إرادته فيما يمكن وصفه بـ «بداية جديدة» (وما أكثر البدايات في حياته) في تدريب يومي شاركه فيه الدكتور / يحيى الرخاوي ، وذلك من أجل الكتابة من جديد .. بيده. إنها تجربة إرادة وإصرار وعزيمة ودأب ليس غريبا عن نجيب محفوظ نقرأ عنها شرحا وتفصيلا في نص كتبه د. الرخاوي تحت عنوان :   (نجيب محفوظ : آخر البدايات)                                       .

       أمير الرواية العربية الحائز على جائزة نوبل للآداب وهو في الـ77 من عمره ـ توقف عن إمساك القلم وهو في الـ 83. وتوفي وهو الـ 94 من عمره. رحلة عمر نتأملها ونتعلم منها من خلال كتابته بالطبع ، وأيضا من خلال ما كتب عنه ، فلا يجب أن يفوتنا ما كتبه جمال الغيطاني في كتابيه "نجيب محفوظ يتذكر" و"المجالس المحفوظية" ، ورجاء النقاش "في حب نجيب محفوظ" .
د. يسري عبد الغني
       وعلينا أن نلجأ لكتاب «المحطة الأخيرة» لمحمد سلماوي لنتعرف عن كثب تجربة الـ 45 يوما الأخيرة في حياة أديبنا نجيب محفوظ، (نزيل غرفة 612) من لحظة دخوله المستشفى يوم الأحد 16 يوليو 2006، إلى وفاته.
      أحد أصدقائه المقربين د. زكى سالم أيضا له كتاب مميز بعنوان : "نجيب محفوظ ـ صداقة ممتدة "، فيه يذكر "عبقرية نجيب محفوظ لا تتجلى فقط في كل ما أبدعه من أعمال أدبية خالدة ، ولكن عبقريته تتجلى أيضا في إبداعه لحياته الشخصية" .
         فلو أنه لم يتمكن من السيطرة على حياته اليومية لما تمكن من رعاية موهبته الرائعة ، ولما وجد الوقت اللازم للقراءة والكتابة ولقاء الناس ، والاستماع إليهم ومتابعة أحداث العالم والتأمل في حكمة الكون .
      كما أن الروائي السكندرى / سعيد سالم له كتاب عن الأديب الكبير وجلساته الممتدة في الإسكندرية خلال شهور الصيف                                  .

      ولا شك أن لحظة من لحظات التذكر الفريدة والمثيرة للتأمل و الانتباه ، ما جاء على لسان العم محفوظ عندما سأله الأستاذ /  جمال الغيطانى : أحيانا أجد تناقضا بين ما تقوله في أحاديثك وبين ما أقرأه في إنتاجك الفني؟ ، «فأجاب محفوظ باختصار» صدق أذن العمل الفني.
     حقًا وصدقًا العمل الفني كان إبداعه وواحته وراحته ومساره ومصيره وصدقه مع نفسه ومع قارئه.هكذا أراد وهكذا عاش حياته.
       رحم الله تعالى العم نجيب الذي علمنا الكثير في قوة العزم وصلابة الإرادة ، والالتزام بكل معانيه ، رخمه الله وأسكنه فسيح جناته جزاءً وفاقًا لما قدم لأدبنا العربي الحديث .

شاركه على جوجل بلس

عن جريدة النداء المصرية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق