بعد صلح الحديبية، أرسل النبي عليه الصلاة والسلام رسالة إلى المقوقس حاكم مصر، يحثه فيها على الإسلام، فأهدى المقوقس إليه فتاة حملت اسم مارية، وأختها سيرين، فاختار النبي عليه الصلاة والسلام مارية زوجا، ووهب أختها لشاعره حسان بن ثابت. وأنزلها النبي أول الأمر فى ضيافة أحد أصحابه، ثم بعد ذلك ابتنى لها «دارا صغيرة» مستقلة فى «العلياء» التى يصفها ابن سعد فى طبقاته بأنها «مكان ذو نبت وماء»، فهى «علياء» بالفعل بالنسبة لجو الصحراء المحيط، وكان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يجرى عليها نفقتها كاملة أسوة بباقى نسائه، وسار على عهده باقى خلفائه، فعاشت مستقلة بنفسها مثل بقية زوجاته صلى الله عليه وسلم. بل وتميزت السيدة مارية، حسب رواية الفقهاء، بأنها كانت مترفة لا تخدم نفسها، بل ترك الرسول لها خادمها «مابورا الذي قدم معها من مصر»، والنبي في هذا راعى الأصول الثقافية والاجتماعية للسيدة مارية حيث نشأتها وتربيتها في دولة ذات حضارة لا تعرف السكن في الخيام فاختار لها دارا، وكانت المرأة في مصر تعامل بشيء من التبجيل والتقدير فعاملها عليه الصلاة والسلام بما كانت تعامل به في بلدها مصر، واحترم رغبتها في الإبقاء على اسمها فلم يغيره ولم يجبرها على تغييره.
ويؤثر عنها رضي الله عنها أنها كانت لا تملأ الماء ولا تجلب الحطب، كما سرت عليها جميع أحكام أمهات المؤمنين الخاصة بهن، ومنها ضرب الحجاب – التستر من الرجال عامة - على سبيل الوجوب، «وهو الوجوب القاصر فقط على أمهات المؤمنات دون المؤمنات»، إضافة إلى تحريم زواجها من بعد النبى صلى الله عليه وسلم.
كما أنه بفضل السيدة «مارية» كانت مصر البلد الوحيد فى تاريخ الإسلام التى لم توزع أراضى المصريين على المقاتلين، وعومل المصريون بإكرام امتثالا لحديث أَبِى ذَرٍّ فى صحيح مسلم الذى نقل عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِى أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا أَوْ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا)، كما تم إعفاء قرية «حفن» التي ولدت بها أم المؤمنين من الخراج واهتم بها الصحابة والتابعون، ولما قدم عبادة بن الصامت إلى مصر أيام عمرو بن العاص، بحث عن هذه القرية وبنى مسجدا يعرف للآن باسم مسجد «سيدى عبادة»، وقد تجدد بعد موته، وسميت القرية باسم قرية الشيخ عبادة. وقد أنجبت إبراهيم الابن الوحيد للنبي وقد مات طفلا لم يبلغ العامين، فأقباط مصر أخوال إبراهيم ، وأنهم أصهار النبي وأنهم – وهم - أخوة أم المؤمنين مارية وبالتالي فهم أخوال كل المسلمين في العالم.
ولذا فحق لهم الدلال والسرور في ظل سماحة الإسلام ورحابته وقبوله اللامحدود للآخر، وأن يكونوا في عين وقلب المسلمين فما بالكم بالمسلمين المصريين، تدللوا أيها الأقباط فأنتم أخوالنا وفي أمثالنا الشعبية ما يعلو بمكانة الخال ليصل به لمرتبة الوالد . وهل رأيتم اسم مصر في كل اللغات الأخرى (ايجيبت - قبط).
ولهذا أثرت أن يكون اسم أم المؤمنين "مارية المصرية"، وفي هذا المقام يجدر أن أذكر بكلام الشيخ محمد الغزالى الذي سمعته منه أول ما سمعت له في خطبة العيد بمسجد محمود في نهاية الثمانينيات الماضية "إن دينا يرضى بأن يعيش رجل مسلم وامرأة قبطية تحت سقف واحد وفي حجرة واحدة لن يضيق بهم في الأرض الواسعة". وهذا ما حدث بين النبي ومارية المصرية. فهل نأخذ العبرة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق