د. يسري عبد الغني باحث وخبير في التراث الثقافي |
يتمتع الأدب العربي بميزة واضحة ومهمة ، وهي : وحدة هذا التراث العريق بما تعنيه الوحدة من ترابط وتماسك واستمرارية ، جعلت من أدب ستة عشر قرنًا حتى يومنا هذا أدبًا واحدًا يمتد في الزمان إلى تلك الحقب الجاهلية البعيدة ، ويكون له من العمر ما لا يتوافر لأدب أمة أخرى .
فإذا كان مبدأ الارتباط بالتراث أمرًا تشترك فيه شعوب دنيانا جميعًا فإنه بالتراث العربي أوكد ، وذلك لأن ارتباط تلك الشعوب غير العربية بتراثها ليس على سبيل التوحد والاستمرار ، ولا يشكل أكثر من حقبة في تاريخها ، إذ لم يتوفر لها ما قدر للغة العربية من العوامل التي هيأت لذلك التوحد ، وهي في مجملها : الدين ، واللغة ، والموروث المعرفي العام .
إن اللغات التي حفظت التراث القديم في حضارات الأمم الكبرى هي في مجملها لغات تعيش منعزلة مغلقة على نطاق ضيق من الانتشار والمشاركة في معطيات حضارات اليوم ، وأقدم الآداب الأوربية اليوم ، وإن كانت ترجع في بعض أصولها ومصادر الاستمرار فيها إلى الآداب اليونانية والرومانية فهي لا ترتبط في وحدة دين ولغة ومنهج فكر .
إن أقدم نص أدبي ، في أية لغة أوربية معاصرة ، لا يتجاوز القرن الثاني عشر الميلادي بأي حال ، وما قبله فآداب بلغات أخرى اندثرت أو تلاشت ، أو أصبحت تاريخًا يدرس ، وحتى هذه الآداب الأوربية تطورت لتصبح على ما هي عليه الآن ... أما الأدب العربي فأقدم نص فيه يعود إلى مطلع النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي ، أي له من العمر أكثر من ألف وخمسمائة عام كاملة ، ولا يجد القارئ صعوبة في فراءته أو فهمه . ،
تراث زاخر :
وكما يمتد هذا التراث في الزمان فيتصل بمصادره ونصوصه الأولى بقدر هائل من التشابه والتجانس ، فإنه ينداح كذلك في المكان ليحتضن أدب كل البيئات التي اتخذت اللغة العربية لسانًا لها ، وحدبت على آدابها ومعارفها الغزيرة التي تنتهج بلاغة كتابها المقدس المعجز ، وتنهل من معينه العذب الذي لا ينضب .
ومما لا شك فيه أن الجزيرة العربية كانت قلب الدعوة الإسلامية السمحاء ، ومنبع فكرها الشامل المستنير ، ولكن مع اطراد الفتوحات الإسلامية التي لم يكن لها هدف إلا نشر الحب والخير والعدل والنور ، واتساع نطاق الدولة العربية ، انبعثت حركات المد الفكرية بإطلال الثقافة العربية على حضارات الشعوب الأخرى وثقافاتها العريقة الراقية .. في الوقت نفسه الذي أقبل فيه أبناء هذه الشعوب على الامتزاج التام بالعربية والعروبة ، واكتساب السليقة اللغوية الصافية ، إذ يتحقق لهم بذلك كثير من الغايات .... المعنوية والفكرية والمادية .
ومن ثم فقد بزغت عندئذ مراكز حضارية متعددة في معظم البلاد المفتوحة ، وأصبحت تضاهي المدينة المنورة ودمشق وبغداد بما يضيفه علماؤها وأدباؤها إلى الكيان الثقافي العربي من ملامح ، وما يستحدثونه من قيم التطور والنهضة ، ومن هنا ظهر كثير من مفكري الإسلام الذين انحدروا من أصول غير عربية .
إن الأمم التي دخلت في الإسلام لم تظل هي نفسها كما كانت من قبل ، فقد تحولت بفعل البيئة الجديدة والفكر الجديد إلى قوم جدد .. وعلى وجه الإجمال فإن الحضارة العربية التي أنشأها العقل الموصوف بالسامي قد امتدت من الأندلس إلى الصين ... وقد انصهرت فيها خلاصات الثقافات وعصارات الحضارات ، وحولتها إلى كيانات جديدة ، وأنشأت فيها حضارات عرفت بالإيجابية والبناء .
يتضح من ذلك أن الفكر العربي قد حقق وجوده التاريخي بصورة تكاملية عبر عصور متلاحقة وأقاليم متقاربة ومتباعدة ، فتكاثفت أصداؤه واحتشدت تجاربه ، واندفع الجميع في سباق محمود نحو التجاوز والتحدي ، مع مراعاة الالتزام بثوابت التراث وأصوله .
هذا ، ويأتي الدين الإسلامي في مقدمة عوامل توحد تراثنا الفكري ، إذ يمثل كتاب الإسلام المعجز (القرآن المجيد) أساسًا للمعارف ، وركيزة للنهضة والتطور الهادف البناء .
وقد احتاج المسلمون دائمًا إلى تنظيم حيواتهم المختلفة ، وذلك وفقًا لقيم الإسلام الحنيف ومثله العليا ، ومن ثم تعين على الأدب العربي أمران :
الأمر الأول : شدة الارتباط بالتراث ، لما يزخر به من تمثل هذه القيم والأصول .
الأمر الثاني : الصدق في مواكبة روح الدين وموازاة مبادئه المنظمة لكافة النشاط الإنساني في المجتمع .
ويتبع عامل الدين عاملاً آخر وثيق الصلة به ، ألا وهو الموروث اللغوي أو اللغة الواحدة المشتركة بين أبناء هذا التراث وهي اللغة العربية الفصحى التي ارتبطت بالقرآن الكريم .
وقد عدت العناية باللغة العربية ، من الوقوف على أسرارها ، وتذوق جمالياتها ، والبراعة في الأداء بها ، مرتقًا أوليًا لازمًا لفهم ألفاظ الذكر الحكيم ، ومحاولة استكناه مواطن إعجازه ، وفي هذا يقول شيخنا الجاحظ : للعرب أمثال واشتقاقات وأبنية ومواضع كلام يدل عندهم على
معانيهم وإرادتهم ، فمن لم يعرفها جهل تأويل الكتاب والسنة والشاهد والمثل ، فإذا نظر في الكلام ، وفي ضروب من العلم ، وليس هو من أهل هذا الشأن هلك وأهلك الناس .
فإذا كان مبدأ الارتباط بالتراث أمرًا تشترك فيه شعوب دنيانا جميعًا فإنه بالتراث العربي أوكد ، وذلك لأن ارتباط تلك الشعوب غير العربية بتراثها ليس على سبيل التوحد والاستمرار ، ولا يشكل أكثر من حقبة في تاريخها ، إذ لم يتوفر لها ما قدر للغة العربية من العوامل التي هيأت لذلك التوحد ، وهي في مجملها : الدين ، واللغة ، والموروث المعرفي العام .
إن اللغات التي حفظت التراث القديم في حضارات الأمم الكبرى هي في مجملها لغات تعيش منعزلة مغلقة على نطاق ضيق من الانتشار والمشاركة في معطيات حضارات اليوم ، وأقدم الآداب الأوربية اليوم ، وإن كانت ترجع في بعض أصولها ومصادر الاستمرار فيها إلى الآداب اليونانية والرومانية فهي لا ترتبط في وحدة دين ولغة ومنهج فكر .
إن أقدم نص أدبي ، في أية لغة أوربية معاصرة ، لا يتجاوز القرن الثاني عشر الميلادي بأي حال ، وما قبله فآداب بلغات أخرى اندثرت أو تلاشت ، أو أصبحت تاريخًا يدرس ، وحتى هذه الآداب الأوربية تطورت لتصبح على ما هي عليه الآن ... أما الأدب العربي فأقدم نص فيه يعود إلى مطلع النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي ، أي له من العمر أكثر من ألف وخمسمائة عام كاملة ، ولا يجد القارئ صعوبة في فراءته أو فهمه . ،
تراث زاخر :
وكما يمتد هذا التراث في الزمان فيتصل بمصادره ونصوصه الأولى بقدر هائل من التشابه والتجانس ، فإنه ينداح كذلك في المكان ليحتضن أدب كل البيئات التي اتخذت اللغة العربية لسانًا لها ، وحدبت على آدابها ومعارفها الغزيرة التي تنتهج بلاغة كتابها المقدس المعجز ، وتنهل من معينه العذب الذي لا ينضب .
ومما لا شك فيه أن الجزيرة العربية كانت قلب الدعوة الإسلامية السمحاء ، ومنبع فكرها الشامل المستنير ، ولكن مع اطراد الفتوحات الإسلامية التي لم يكن لها هدف إلا نشر الحب والخير والعدل والنور ، واتساع نطاق الدولة العربية ، انبعثت حركات المد الفكرية بإطلال الثقافة العربية على حضارات الشعوب الأخرى وثقافاتها العريقة الراقية .. في الوقت نفسه الذي أقبل فيه أبناء هذه الشعوب على الامتزاج التام بالعربية والعروبة ، واكتساب السليقة اللغوية الصافية ، إذ يتحقق لهم بذلك كثير من الغايات .... المعنوية والفكرية والمادية .
ومن ثم فقد بزغت عندئذ مراكز حضارية متعددة في معظم البلاد المفتوحة ، وأصبحت تضاهي المدينة المنورة ودمشق وبغداد بما يضيفه علماؤها وأدباؤها إلى الكيان الثقافي العربي من ملامح ، وما يستحدثونه من قيم التطور والنهضة ، ومن هنا ظهر كثير من مفكري الإسلام الذين انحدروا من أصول غير عربية .
إن الأمم التي دخلت في الإسلام لم تظل هي نفسها كما كانت من قبل ، فقد تحولت بفعل البيئة الجديدة والفكر الجديد إلى قوم جدد .. وعلى وجه الإجمال فإن الحضارة العربية التي أنشأها العقل الموصوف بالسامي قد امتدت من الأندلس إلى الصين ... وقد انصهرت فيها خلاصات الثقافات وعصارات الحضارات ، وحولتها إلى كيانات جديدة ، وأنشأت فيها حضارات عرفت بالإيجابية والبناء .
يتضح من ذلك أن الفكر العربي قد حقق وجوده التاريخي بصورة تكاملية عبر عصور متلاحقة وأقاليم متقاربة ومتباعدة ، فتكاثفت أصداؤه واحتشدت تجاربه ، واندفع الجميع في سباق محمود نحو التجاوز والتحدي ، مع مراعاة الالتزام بثوابت التراث وأصوله .
هذا ، ويأتي الدين الإسلامي في مقدمة عوامل توحد تراثنا الفكري ، إذ يمثل كتاب الإسلام المعجز (القرآن المجيد) أساسًا للمعارف ، وركيزة للنهضة والتطور الهادف البناء .
وقد احتاج المسلمون دائمًا إلى تنظيم حيواتهم المختلفة ، وذلك وفقًا لقيم الإسلام الحنيف ومثله العليا ، ومن ثم تعين على الأدب العربي أمران :
الأمر الأول : شدة الارتباط بالتراث ، لما يزخر به من تمثل هذه القيم والأصول .
الأمر الثاني : الصدق في مواكبة روح الدين وموازاة مبادئه المنظمة لكافة النشاط الإنساني في المجتمع .
ويتبع عامل الدين عاملاً آخر وثيق الصلة به ، ألا وهو الموروث اللغوي أو اللغة الواحدة المشتركة بين أبناء هذا التراث وهي اللغة العربية الفصحى التي ارتبطت بالقرآن الكريم .
وقد عدت العناية باللغة العربية ، من الوقوف على أسرارها ، وتذوق جمالياتها ، والبراعة في الأداء بها ، مرتقًا أوليًا لازمًا لفهم ألفاظ الذكر الحكيم ، ومحاولة استكناه مواطن إعجازه ، وفي هذا يقول شيخنا الجاحظ : للعرب أمثال واشتقاقات وأبنية ومواضع كلام يدل عندهم على
معانيهم وإرادتهم ، فمن لم يعرفها جهل تأويل الكتاب والسنة والشاهد والمثل ، فإذا نظر في الكلام ، وفي ضروب من العلم ، وليس هو من أهل هذا الشأن هلك وأهلك الناس .
0 التعليقات:
إرسال تعليق