ملخص دراسة بعنوان
[عناصر الصورة الذهنية للإرهابي لدى المراهقين ] "دراسة مقارنة"
(مجلة علم النفس ، العدد 98، الهيئة المصرية العامة للكتاب،2013)
مشكلة الدراسة وأهميتها
تعد ظاهرة الإرهاب مدمرة من حيث التأثير السلبي على الاقتصاد والسياحة والتجارة والسياسة وسيطرة الخوف والفزع على المواطنين ولا نبالغ إذا اعتبرنا الإرهاب واحداً من التحديات الكبرى التي تواجه العالم المعاصر لسنوات طويلة قادمة، وأصبح قضية عالمية لا يخلو أي مجتمع من وجودها، والأطفال بوجه خاص هم ضحيته الرئيسية، ومن ثم فقد اهتمت كافة وسائل الإعلام من الصحف والكتب وبرامج الإذاعة والتليفزيون والأفلام السينمائية ومسلسلات الدراما والمسرح بتناولها بالدراسة والتحليل والتقويم (موريس وهو،2001،ص5). وكشف ذلك الاهتمام بدراسة هذه الظاهرة أن من أهم أسباب الإرهاب في المجتمع المصري البطالة، والجهل بالدين. وغياب الديموقراطية والإحباط النفسي وارتفاع سن الزواج (عبدالقوي،1994). وكذلك وجود قوى خارجية تهدف إلى زعزعة الإستقرار والإخلال بالأمن داخل المجتمع المصري وخاصة في الأحداث الإرهابية الأخيرة التي تتعرض لها سيناء ومن قبلها حادث تفجير سيارة مفخخة أمام كنيسة القديسَيْن بالإسكندرية ليلة رأس السنة الميلادية في تمام الساعة الثانية عشرة ونصف (1/1/2011) والذي نتج عنه مقتل ثلاث وعشرين وإصابة سبعة وتسعين بجروح بين المتوسطة والخطيرة وفي عام 2012 حدثت أعمال إرهابية كثيرة كانت موجهة ضد المدنيين وجنود الجيش في سيناء وغيرها من المدن المصرية وبخاصة بعد انتشار الأسلحة المختلفة والمتطورة لدى المواطنين - التي استهدفت الأقباط أثناء الاحتفالات بأعيادهم - وهذه العمليات من شأنها أن تثير الفتنة الطائفية بين نسيج الأمة المصرية. وهذا التناول الإعلامي المرئي والمسموع والمقرؤ من شأنه أن يبث في أذهان وعقول أفراد المجتمع رسالة محددة الملامح لطبيعة الإرهاب والجهات التي تقوم به والآثار الناتجة عنه سواء على الفرد أو المجتمع، ويقوم الجمهور المتلقي لهذه الرسالة الإعلامية باستدماجها. وكما توصلت الدراسات النفسية إلى فاعلية الرسم في الكشف عن الجوانب والمشكلات الاجتماعية والثقافية والأسرية التي يعيش فيها الأطفال داخل نسيج المجتمع، مثل دراسة الفروق الثقافية بين مجتمعين مختلفين ثقافياً وجغرافياً(Kline & Savaste, 1981). وأكدت البحوث وجود السمات البيئية الخاصة بمجتمع البادية والريف والحضر (الدهان، 1989). وتأثير غياب الأب عن المنزل على حجم الشخص المرسوم (Payne,1990). ومعرفة الفروق الثقافية بين أطفال يقيمون في بيئات ثقافية واجتماعية مختلفة (Lambeth,1991 ؛ Soutter , 1994، خضر والوكيل ، 2009). ومعرفة خصائص رسوم الأطفال المحرومين من أسرهم (سلامة، 1994). وكذلك قدرة الرسم على الكشف عن المشكلات الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها أطفال الشوارع (حجاب،1999). وكشفت رسوم الأطفال للمستشفي عن مستويات القلق , والتوتر, والضغوط النفسية التي تعرضوا لها خلال فترة تلقيهم للعلاج ((Clatworthy, et al, 1999. ودراسة تقدير إدراك الأطفال للمشكلات القومية العربية وكيفية ظهورها في الرسم (المليجي، 1992). ونلاحظ من خلال مسح الدراسات النفسية العربية والأجنبية حول موضوع تناول الأطفال أوالمراهقين لعناصر رسم شكل الإرهابي ومقارنتها بعناصر رسم الشكل الإنساني ندرة الدراسات في هذا الموضوع ، ولأن الأطفال أكثر فئات المجتمع تأثراً بظاهرة الإرهاب وبالرسالة الإعلامية الموجهة نتيجة قلة معارفهم وسهولة توجيههم، فإن الباحث يحاول أن يتعرف على الصورة المدركة لشكل الإرهابي من خلال معرفة عناصر الرسم المميزة لشكل الإرهابي Drawing Terrorist figure كما أرسلتها وسائل الإعلام المختلفة، ومقارنتها بعناصر رسم الشكل الإنساني Human Figure Drawing Test.
وبناء على ما سبق يمكن تحديد مشكلة الدراسة في التساؤلات التالية:
هل توجد فروق ذات دلالة احصائية بين عناصر رسم شكل الإرهابي وعناصر رسم الشكل الإنساني؟.
هل توجد فروق ذات دلالة احصائية بين الذكور والإناث في تناولهم لعناصر رسم شكل الإرهابي؟.
هل توجد فروق ذات دلالة احصائية بين عناصر رسم شكل الإرهابي وعناصر رسم الشكل الإنساني لدى الذكور؟
هل توجد فروق ذات دلالة احصائية بين عناصر رسم شكل الإرهابي وعناصر رسم الشكل الإنساني لدى الإناث؟
مناقشة عامة للنتائج
نظراَ للتداخل والتشابه بين الجداول التي عرضت لنتائج الدراسة الحالية فإن الباحث سيعرض لمناقشة النتائج بصورة عامة وإجمالية ، ولذلك فمن الواضح في عناصر الرسم التي سبق عرضها أنها ميزت رسم شكل الإرهابي وأنها تتفق إلى حد كبير مع الصورة التي بثتها وسائل الإعلام ( تليفزيون وسينما تحديداً لأنها أكثر مناسبة للمتابعة من عينة الدراسة بالإضافة للتأثير المهم للصورة والإدراك البصري ) عن رسم شكل الإرهابي الذي يتبنى أكثر من هوية ثقافية :
فمنهم من ينتمي إلى تيار العنف المتستر بالدين وهذه العناصر هي رسم طاقية ومسدس ولحية ورسم الشخص يرتدى جلباب وتغطية نصف الوجه ورسم شارب وكتابة شعارات دينية.
هناك من الإرهابيين من يعمل لحساب جهات خارجية مثل إسرائيل كما ظهر في عنصر رسم نجمة داوود المميزة لعلم إسرائيل.
كما كشف الرسم عن عناصر التسليح المستخدمة في العمليات الإرهابية مثل رسم حقيبة ورسم قنبلة يدوية ورسم دبابات وأسلحة وهذا يشير إلى إدراك أفراد العينة للتطور المستخدم في الأسلحة والمتفجرات.
هناك مجموعة من عناصر الرسم تتعلق بالآثار الناتجة عن العمليات الإرهابية مثل رسم اصابات فى الوجه ورسم شخص ميت بجوار رسم شكل الإرهابي.
هناك بعض العناصر التي كشفت عن وجود إدراك لصورة رسم شكل الإرهابي غير المنتمي للتيار الديني وهو ما عبر عنه الإعلام تحت شعار "الإرهاب لا دين له" والذي نشرته الفضائيات كثيراً جداً، ومن ثم فمن الممكن أن تكون للإرهاب مرجعيات مختلفة، ولقد ظهر ذلك في الرسم على النحو التالي : رسم علم أو راية غير محددة الهوية، ورسم الشخص يرتدى قميص وبنطلون، ورسم شعر الرأس، وتظليل الملابس كمحاولة لإخفاء الهوية، ورسم حذاء عسكرى ورسم الشخص يرتدى بدلة حربية كدلالة على التدريب والتنظيم والتخطيط الذي يتشابه مع ما يقوم به الجيش أو الشرطة، ورسم حزام للبنطلون ورسم كرافته.
وجدت بعض العناصر التي تكشف عن الحالة الانفعالية لرسم شكل الارهابي مثل العدوانية تجاه المجتمع والتي ظهرت في رسم عنصر الأسنان ، ووضوح حالة من الكآبة والحزن يتصف بها وجه الارهابي وقد كشف عنها عنصر رسم الفم حزين (مقوس إلى أسفل)، وإذا ما قارنا بين ذلك العنصر وعنصر رسم الفم مبتسم فقد يكشف ذلك عن التناقض الوجداني في شخصية الإرهابي الذي يدركه المراهقون في رسم شكل الإرهابي فقد يكون الإرهابي غير مؤمن بأفكار سياسية أو ثقافية أو دينية أو غير مستقر إنفعالياً ولكنه يفعل تلك الجريمة بدافع الحصول على المال أو رغبة في العدوان والتخريب.
ومن الملاحظ أيضاً أن العناصر التي ميزت صورة الشخص العادي هي العناصر المألوفة والتي يراها المراهقون في الحياة ومن ثم فتتفق هذه النتيجة مع نتائج الدراسات السابقة حول إدراك الأطفال والمراهقين وحتى الشباب للشخص.
كما تشير النتيجة الخاصة بوجود الفروق ذات الدلالة لصالح رسم شكل الإرهابي إلى أن رسم شكل الارهابي في ذهن المراهقين ترتبط بالتيار الديني حيث إبراز وسائل الإعلام من خلال الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية لرسم شكل الارهابي وكأن الإرهابي هو من يرتدي طاقية ولديه لحية ويمسك بمسدس ويرتدي جلباباً وله شارب وهذه صورة نمطية بثتها وسائل الإعلام في الكثير من الأفلام والمسلسلات في السنوات الأخيرة. وكان آخرها مسلسل " باب الخلق " 2012.
وهناك صورة اخرى للإرهابي تمتاز أيضاً بعدم انتماء الإرهابي لتيار ديني بل قد يكون الارهابي ممثلاً لنوع جديد يحاول أن يغير من هيئته بأن يرتدي زياً غربياً مثل رسم الشخص يرتدى بدلة حربية ومعه حقيبة ولقد تم رسم الوجه مكشوف ورسم دبابات وأسلحة مصاحبة للإرهابي. رسم حذاء عسكرى ورسم نجمة داوود ورسم علم أو راية وكتابة تعليقات غير دينية على الرسم وهذا الشكل من التعبير ظهر في العديد من الأفلام السينمائية.
وكان وجود فروق ذات دلالة احصائية بين تصور الذكور والإناث لعناصر رسم شكل الإرهابى في إتجاه الذكور في رسم لحية. ورسم مسدس. ورسم الشخص يرتدى جلباب . وهذه العناصر قريبة من ملامح الرجل وخاصة وجود اللحية والمسدس والجلباب كونها من مستلزمات الدور الذكري في مجتمع عينة البحث لأنهم من سكان الريف المتاخم لحدود العاصمة (القاهرة) ، وهذا الإدراك لشكل الإرهابي باعتباره رجل يتسق مع عينة الذكور، وكانت الفروق في اتجاه الإناث في رسم الشخص يرتدى بدلة عادية . ورسم الشخص يرتدى بدلة حربية. ورسم الشخص يرتدى قميص وبنطلون. ورسم اصابات فى الوجه. وهذه اللعناصر تشير إلى ارتباط إدراك الإناث لشكل الارهابي بالملابس التي تعبر عن صورة الجسم بشكل كلي ، واصابات الوجه تكشف عن إدراكهن لما يتركه الارهاب من اصابات في الأفراد أو الإرهابي.
وفيما يتعلق بعناصر الرسم التي كانت الفروق فيها في اتجاه رسم الشكل الإنساني فهي تشير إلى أن الشخص المدْرَك في ذهن عينة الدراسة يتميز بارتداء حزام للبنطلون ورسم الفم مبتسم ورسم شعر الرأس باعتبار هذه الصورة النمطية المألوفة للشخص الطيب الذي لا يقدم الأذى لأحد وذلك في الطبقة المتوسطة التي ينتمي إليها غالبية عينة الدراسة الحالية.
وتشير نتائج الدراسة إلى الاتفاق مع ما أثبتته الأحداث الأخيرة (العمليات الإرهابية التي وقعت منذ عملية الأزهر 2008 وحتى حادث تفجير كنيسة القديسين في نصف الساعة الأولى لعام 2011 ، ومقتل الجنود المصريين على الحدود مع غزة 2012 وغيرها من أحداث) من حيث التخطيط والإعداد لهذه العمليات الإرهابية الإجرامية منذ سنوات طويلة وأن هذه المخططات التي تتم في الخارج عن طريق أجهزة المخابرات الأجنبية وبعض العصابات الدولية التي حولت جزء من نشاطها في الاتجار في المخدرات والأسلحة والإرهاب من خلال اشعال الحروب الطائفية والإقليمية والحروب على الحدود ، كما أثبتت تلك الجرائم الإرهابية أن هذه العصابات تم تدريبها وإعدادها إعداداً متقدماً ومتطوراً في التعامل مع كافة الظروف الطارئة بالاضافة إلى صنع القنابل اليدوية والمتفجرات الخطيرة بتوجيه وتمويل من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، كما استخدمت بعض تلك العناصر الدينية المتطرفة على مدى الثلاثين عاماً الماضية الظروف الاقتصادية الصعبة لاستقطاب العناصر الفتية والشابة في المجتمع المصري لتنفيذ تلك العمليات الإرهابية (يسري،1994).
وأيضاً كشفت نتائج الدراسة عن التحول في العمليات الإرهابية فبعد أن كانت تستهدف في البداية رجال الأمن والسياسيين كما حدث مع الوزراء وكبار المسئولين وضباط وقيادات وزارة الداخلية اتجهت في السنوات الأخيرة لاستهداف المواطنين الأبرياء والأدهى من ذلك هو استهداف الأطفال والصغار ومن سوء الطالع أن هناك استهدافاَ جديداً يريد ايقاع الفرقة والفتنة بين المصريين من خلال تفجير الكنائس وسرقة وترويع الآمنين في أعمالهم أو أثناء ممارسة العبادة .
كما كشفت نتائج الدراسة تأثر العينة بالصورة التي بثتها وسائل الإعلام عن صورة الإرهاب في الأفلام السينمائية وبخاصة بعد اذاعتها تليفزيونياً مثل فيلم " الإرهاب " لم تظهر الهوية الفكرية أو الثقافية للإرهابي بل كان يرتدي ملابس عادية وحليق اللحية ، ولكن في فيلم "الإرهابي" وفيلم "الناجون من النار" ومسلسل " العائلة " وفيلم " السفارة في العمارة " وفيلم " كباريه " ظهرت فيها الهوية الدينية والملابس والتوجهات الثقافية للإرهابيين والأدوات المستخدمة في العمليات الإرهابية.
ونلاحظ في نتائج الدراسة أنها تضمنت كل هذه الأشكال والهويات سواء الدينية أو التي حاولت التمويه بارتداء الملابس الغربية المألوفة في المجتمع المصري مثل البدلة والبنطلون والقميص وحلق اللحية ... الخ .
خاتمة
وبناء على كل ما سبق يتضح أن نتائج الدراسة الحالية عكست ملامح رسم شكل الإرهابي التي حاولت أجهزة الإعلام المحلية والأجنبية ترويجها لشكل الإرهابي، وأن عينة البحث قد استدمجت تلك الصورة من خلال عملية الإدراك البصري ومن ثم فقد عبرت عنها من خلال تطبيق اختبار رسم شكل الإرهابي ورسم الشكل الإنساني، ومن ثم فقد تحقق هدف الدراسة الحالية. ويود الباحث التأكيد على أن البحث الحالي يعد دراسة استكشافية للصورة النمطية المدركة لدى المراهقين لشكل الإرهابي ومقارنتها بصورة الشكل الإنساني ولأنها تعد أول دراسة ميدانية في المجتمع المصري فإن نتائجها بحاجة لدراسات أخرى لدعم تلك النتائج ولبيان مدى إدراك الأطفال والمراهقين والشباب لمشكلة الإرهاب من خلال اختبارات الرسم المختلفة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق