نجيب محفوظ والحاسة الابداعية
الاخلاقية
د.خالد عبدالغني
ولد "نجيب محفوظ" عبد
العزيز ابراهيم أحمد الباشا في 11 ديسمبر من
عام 1911 في حي الجمالية في القاهرة، والتحق في سن الرابعة بكتاب الشيخ
بحيري وتلقى دروسه الأولى في مدرسة الحسينية الابتدائية وانتقل في المرحلة
الثانوية إلى مدرسة فؤاد الأول حيث حصل على شهادة البكالوريا. وفي هذه المدرسة بدأ
بكتابة القصة القصيرة منذ عام 1928. وفي عام 1932 ترجم كتاب "مصر
القديمة" عن الإنجليزية وهو من تأليف "جيمس بيكي". وفي عام 1934
نشر قصته الأولى تحت عنوان "ثمن الضعف" في "المجلة الجديدة"،
وفي العام نفسه تخرج من كلية الآداب في جامعة القاهرة، ليحمل الشهادة الجامعية في
الفلسفة. وفي عام 1936 بدأ يكتب القصة القصيرة بانتظام. وعمل منذ عام 1934 حتى عام
1938 موظفاً في إدارة جامعة فؤاد الأول. ثم عيّن في عام 1938 سكرتيراً برلمانياً لوزير الأوقاف وبقي في
هذا المنصب حتى عام 1950 . ثم التحق بعد ذلك بوزارة الثقافة التي كانت تسمّى آنذاك
وزارة الإرشاد القومي. وعيّن في عام 1953 رقيباً على الأفلام في مصلحة الفنون.
وتزوج في عام 1954 في سن متأخرة (43عاماً) من
السيدة عطية الله وأنجب منها ابنتيه أم كلثوم وفاطمة. وأخفى زواجه لمدة 10 سنوات. وأقام في شقته
المتواضعة بالعجوزة سنوات طويلة ولم يغيرها حتى بعد أن اشتهر عالمياً.
وفي عام 1960 أصبح مديراً لمجلس إدارة مؤسسة السينما. ثم في عام 1963 رئيساً للجنة
القراءة في المؤسسة العامة للسينما والتلفزيون. وصدر في عام 1965 قرار جمهوري قضى
بتعيينه عضواً في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. وفي عام 1966 عيّن
مستشاراً فنياً في المؤسسة المصرية العامة للسينما. وعيّن في عام 1968 مستشاراً
لوزير الثقافة "ثروت عكاشة"، وهو آخر منصب شغله حتى الستين من عمره. وفي
عام 1971 أحيل على المعاش. وفي العام نفسه انضم إلى هيئة تحرير مؤسسة
"الأهرام". وفي عام 1988 فاز بجائزة نوبل للآداب. وفي عام 1994 طعنه شاب
متطرف بسكين في رقبته بعد صدور فتوى بتكفيره ولقد نجا من تلك المحاولة . وبعد هذه
الحادثة كتب روائعه "أحلام فترة النقاهة" التي اعتبرناها واحدة من أشكال
السرد التي أبدعها نجيب محفوظ مثل المقامة والرواية وغيرهما. وفي عام 2006 اشترط موافقة مؤسسة الأزهر على
إعادة نشر رواية "أولاد حارتنا" ورحل إلى الرفيق الأعلى – جسداً- في يوم
30 أغسطس 2006.
المسئولية الأخلاقية تجاه المجتمع :
إن
المسئولية الأخلاقية والتاريخية تجاه المجتمع عند نجيب محفوظ: موجودة في كثير من
أعماله حيث سعيه الدائم والحثيث لتقديم حلول لمشكلات مجتمعه في شكل فني جديد وكأنه يرجع في كل عمل إلى عشقه
الأول الذي ينطلق منه وهو
الإبداع الذي في جوهره وثوق الذات المبدعة مع القيم أو المثل الأعلى في مجتمعها،
وشدة انتمائها إلى ثقافة ذلك المجتمع وقرب انتسابها إلى مؤسساته فالعمق الاجتماعي
يعبر عن مدى الامتداد الثقافي للذات نفسها، ويظهر في إنضاج الحاسة الأخلاقية عنده
وإرهافه بحيث يستجيب في عفوية وتلقائية ايجابياً لما هو ايجابي لصالح مجتمعه وثقافته وسلبياً
لما هو غير ذلك، كما يتمثل العمق الاجتماعي في إنضاج الحاسة التاريخية عند المبدع
ليس بمعنى إدراك الجذور البعيدة أو الأصول الغائرة لثقافة مجتمعه بل سبر أغوار
ثقافته وواقعها واستشراف حركة مستقبلها وما يتحرك في عمقها من اتجاهات أو توجهات
مستكنة أو بازغة أو متحركة إلى المستقبل، إن الذات المبدعة برهافة حاستي الأخلاقية
والتاريخية فيها تستجيب لتصور الآخر الاجتماعي عندها (11). فنجيب محفوظ من خلال أعماله كان واعياً بهاتين
الحاستين، فأدبه وإنتاجه الغزير والحاضر بقوة قد تربع به وبلا منازع علي عرش
الرواية العربية، رغم أن نتاجاته الأولي ابتداء بالرواية التاريخية وبعدها
الاجتماعية ثم رواياته ذات الرؤية الفكرية والتأملية، هي المسئولة عن هذا التربع،
حيث كتب أهم وأغلب أعماله منذ
عام 1936 حتى عام 2006، منذ قصته التي نشرها لأول مرة ثمن الضعف مروراً برواياته
التاريخية حتى أعماله التي تسرد بمهارة منتقاة لتسجل تاريخ الشارع والحارة في
الأحياء الشعبية للقاهرة بأسلوب ساحر ومغر ومبدع وكأنه حكواتي الحداثة (12). فهو
بعد أن كتب ثلاث روايات تاريخية هي: عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة، توجّه نحو
الناس الذين يعيش وسطهم ليكون لسان حالهم والمعبّر عن حلمهم، فكانت رواياته
الواقعية التي رسّخت للفن الروائي في الأدب العربي (13).
0 التعليقات:
إرسال تعليق