.

.

"على الحافه" قصة قصيرة لـ محمد مختار



"على الحافه"  قصة قصيرة لـ محمد مختار


عاديا كباقى الشباب فى مثل سنه.يقلدهم فيما يفعلونه فيرتدى سلسله فضيه وانسيالا فى يده.يملئ فمه بالسباب.السيجاره لاتفارق شفتيه.ليله موصول بنهاره فلايغفو بالكاد سوى ساعتين.فتكونت هالات سوداء تحت عينيه اللتين انتفختا بفعل كثره السهر.تغطى رأسه هاله من الشعر المجدول ،جدائل صغيره يلمها بقطعه قماش سوداء.نموذج بارز لشاب سطحى مستهتر رأسه هواء وفؤاده هواء لايصدق شيئا ولايثق باحد ولكن
القاص محمد مختار

تعرفت به فى احدى المعارض التى تقيمها المؤسسه التى اعمل لحسابها.كنت مسئولا عن احد اقسام العرض وكنت اراقب فتيان وفتيات رؤوسهم هواء وافئدتهم هواء يقبلون على التافه من الكلام الذى تمتلئ به الكتب ويسمى عفوا ادب الا هو فقد وجدته يقبل على الادب العربى القديم.كليله ودمنه.الف ليله وليله.تقدم طالبا منى المساعده قائلا انه يبحث عن كتاب الاغانى لابى الفرج الاصبهانى.قلت مصححا: الاصفهانى.باصرار: الاصبهانى وتابع: تلك التسميه هى الشائعه لكنها خاطئه والاصوب الاصبهانى نسبه الى اصبهان وهى دوله افغانستان حاليا.استقبلت حديثه مندهشا معقود اللسان فمن رأيته سطحيا تافها وجدته عميق المعرفه واسع الاطلاع واخبرته انه برغم اننى امتلك الكتاب منذ فتره الااننى لم اكن اعرف هذه المعلومه. ساعتها رأيت فى عينيه فرحه عجيبه وقال: احقا تمتلك الكتاب انا ابحث عنه منذ فتره طويله.ان لم يكن لديك مانع ساستعيره منك فاقراه واعيده لك. بانت على امارات التردد لاننى لم اتعود ان اعطى كتبى لاحد وفهم هو هذا.فقال: انا اعرف ان من يمتلك كتابا كهذا فهو يمتلك كنزا ولكنى اقولها بصدق ساقراه واعيده لك مره اخرى.وانا ايضا استطيع ان اعطيك من الكتب ماتشاء.فانا امتلك مكتبه تخطت الالف كتاب
احسست اننى قد عثرت على صيد ثمين.وتبادلنا الايميلات ووعدنى انه سوف يبحث عنى على الفيس بوك ويضيفنى الى اصدقائه لنتحدث فى شئون الفكر.كنت سعيدا لاننى وجدت شخصا يشبهنى فقد كنت اشعر بوحده قاتله كاننى اغرد خارج سرب الحياه ولكننى لم ازل متعجبا كيف امكنه ان يجمع بين الثقافه الواسعه والعقل الراجح وهذا الشكل العجيب وعزمت على سؤاله عن هذا الامر
عندما عدت الى البيت وبعد ان تناولت غدائى وحصلت على بعض الراحه جلست امام اللاب توب الخاص بى وفتحت الفيس بوك وبدأت ابحث عنه حتى وجدته.بدأت اعرفه اكثر فاكثر من خلال المنشورات التى كان يكتبها ويشاركها اصدقائه وكلماته التى تعبر عن افكاره.وجدته حقا شخصا رفيع الثقافه.واسع الاطلاع.والح على ذهنى السؤال ذاته كيف وهو بهذا الشكل. ووجدت مااريد معرفته فى البوم صوره التى يشاركها اصدقائه فاحدى صوره كانت وهو طفل رضيع يرتدى الباڤته ويجلس على كرسى احمر اللون.وصوره اخرى وهو طفل بدين يرتدى بلوفر اخضر وبنطلون كاروه وثالثه فى تقديرى لاتتعدى الثانويه يرتدى فيها نظاره طبيه عتيقه الطراز.واخرى يرتدى فيها بدله كامله يظهر عليها القدم. من اقصى الى اقصى فكيف كان وكيف اصبح ولماذا اصبح.مظهر اجوف وباطن ملئ بالثقافه. ضغطت على علامه طلب الصداقه وانتظرت قبوله لها كما اتفقنا وفعلا لم يمض وقت طويل حتى وجدته قد قبلها ففرحت وهللت كنوز المعرفه..مكتبه اخرى بجوار مكتبتى ستكون ملك يمينى.مزيد من الثقافه.مزيد من المعرفه ولكن..
لم يفتح لى المزيد من ابواب الثقافه فحسب ولكن فتح لى المزيد من ابواب الحياه التى كانت موصده دونى.فاصبحت ارى فى اشخاص قد اعرفهم فتيات لسن سوى بائعات هوى يعرضون اجسادهن مقابل كارت شحن.تتراوح اسعارهم بين ال٢٥،٥٠،١٠٠ حسب مايطلبه زبائنهم اما المقابلات فلها تسعيرة اخرى واتفاق خاص بين الفتاه وراغب المتعه.ومع الوقت اخذ الامر يتزايد واصبحت اجد منشورات تحتوى على صور عاريه لفتيات وترشيحات لصداقه مع فتيات من هذه الفئه وبعد ان كنت اتلهف على صداقته لاستزيد ثقافه ومعرفه اصبحت فيه من الزاهدين وقررت ان اتركه قبل ان يحرق ثيابى بنار خلاعته فقد كانت صفحتى تضم اقاربى واصدقائى المقربين وخطيبتى.من اود الحفاظ على صورتى امامهم وصممت قبل ان اتركه ان اعرف حقيقته كيف كان وكيف اصبح ولماذا فقد احرق عقلى بنار الفضول.وسنحت لى الفرصه عندما كنت جالسا اراجع صفحتى واتصفح المنشورات الجديده فوجدته قد ارسل لى رابط تحميل لاحد الكتب الهامه وفالوقت نفسه وجدت بائعه هوى ترسل لى طلب صداقه بناء على ترشيحه فتعجبت وشاركت منشور على يومياته من كلمتين: من انت انا لاشئ.لاصفه لى.لاانتماء.لاهويه ولاجذور.جمله القول انا عدم من عدم ليس لى من دنيا الناس سوى الاسم الذى منحنى اياه ابى عند ولادتى والذى مالبثت ان استبدلته بNickname اصبحت معروفا به على الفيس بوك ووسط اصدقائى الوهميين.هذا هو انا.دهشت منه وحيرتنى اجابته واحسست منها مادلنى على اننى امام انسان عميق الثقافه قوى اللفظ حسن البيان طليق اللسان.
مازاد حيرتى وصممت على ان اعرفه حق المعرفه.فطلبت الحديث اليه على الخاص وفتحت نافذه الحديث وبدأ الحوار بيننا من انت؛ سبق ان اجبتك عن هذا السؤال من قبل ؛اعرف ذلك ولكننىاريد اكثر فقد اثرت فضولى منذ رايتك اول مره؛ماذا تقصد؛ اقصد ان هيئتك دلتنى على تفاهتك وحديثك دلنى على عمقك وجعلتنى اصدق من قال لى ان الانسان ليس دائما كما يبدو.فمن انت بالتحديد.وصمتنا... ووجدت صمته قد طال حتى ظننته سينهى المحادثه ويقوم بازالتى من اصدقاء الفيس بوك لديه ولكن بعد فتره وجدت مادلنى على انه قد بدأ الكتابه ؛
انا لااعرف من انا لاننى لست واحد الشخصيه ولكنى متعددها.طال بى العمر وامتدت الحياه ولم اعرف لى صفه تميزنى فمنذ ولادتى وانا اتبع ويتشكل وعيئ وتتشكل شخصيتى على حسب من اتبع.فتاره اكون مثقفا ارى مايراه المثقفون وتاره اكون تافها ارى مايراه التافهون؛ تبعت اول من تبعت والدى الذى كان من كبار المثقفين وكنا نمتلك مكتبه كبيره فى منزلنا كنت اهيم بين ارجائها وقرأت بها عيون الادب العربى وانا دون العاشره او الحاديه عشره وعندما وصلت الى المرحله الوسطى من التعليم كنت اتمتع بقدر وافر من الثقافه لم يتح لمن هم فى مثل سنى .وبقدر ماافادتنى بدراستى بقدر مااضرتنى بحياتى فلقد اختلفت نظرتى للامور وللدنيا والحياه فاصبحت افهم مالم اكن افهمه من قبل واعلم مالايجب على من هم فى مثل سنى ان يعلموه.اصبحت افكر بمنطق الكبار واتحدث بلفظ الكبار واتصرف بتصرف الكبار حتى وجدت نفسى لااجالس الاكبارا وحين اجالس من هم فى مثل سنى اصبح بينهم غريبا بعقلى واتزانى وافكارى التى تسبق عمرى وبدات العب دورا اكبر من دورى فالحياه فبدا من هم مثلى ينفضون من حولى واعطتنى الحياه ومتعتها ظهرها
ولم استطع الاان احاول اقتناصها لاعوض مافاتنى وبدأت انظر لمن هم مثلى لارى مايفعلون، مايقولون، ثم تبعتهم.لم احاول ان اسال لافهم كعادتى فتحولت الى اله صماء تدور فاتجاه التغيير دون توقف.اعتزلت الحياه لاكثر من سته شهور لاافعل الاان اكل واشرب وانام واقرا واشعت فيمن يعرفنى اننى منشغل بقراءه احد الروايات العالميه الكبيره.بينما الحقيقه اننى كنت اخلق نفسى خلقا اخر، اديم الذهاب الى صالات الحديد، اشترى مجموعه مختلفه من السلاسل والانسيالات، اشترى مجموعه منتقاه من الملابس تصرخ بالشباب، اترك يد النمو ترعى فى شعر راسى حتى يصبح كما تراه الان، ها قد اصبحت شخصا اخر وفعلت كل ماحولنى الى شاب مثلهم لكنى نسيت ان اتعلم كيف اصبح تافها اتحدث حديثهم واتصرف مثلهم، وحانت لحظه خروجى الى الدنيا، حانت لحظه ولادتى فخرجت بشكل جديد وعقل وقلب قديمين.لم احدثهما ولم اعودهما السفاهة والتفاهة.لااسمع اغنيه جديده فانا كلثومى الهوى، لازلت اقرا، لااشاهد افلاما جنسيه بل افلاما وثائقيه، لااتابع المواقع الجنسيه بل العلميه.ملئت فمى بالسباب وتعودت تدخين السجائر وارتديت احدث الموضات لكن عقلى مازال كما هو متعطش لمزيد من المعرفه.فاصبحت جسدا بعمر العشرين وعقلا بعمر السبعين. اساير الشباب ولست معهم واجالس الكبار ولست منهم اتحدث مع من هم مثلى حديث الاكبر منهم ومع الكبار حديث الاعلم منهم حتى قال قائل: لايجب عليك ان تتكلم بمثل هذه الكلمات فى حضره من هم اكبر منك سنا. احترم مجلسهم ولاتتعالى بعلمك ومن تحدثت معهم حديث الاكبر منهم قال قائلهم:
لانريدك مره اخرى بيننا فاما ان تبدل اسلوبك او فلتبتعد عنا فلست منا ولسنا منك وانتابتنى  الحيره ابعد كل مافعلت انتهى الى لاشي لاانا بقيت كما انا ولاتغيرت لاصبح مثلهم واخذت ابتعد عن الجميع حتى عدت بمفردى تماما. ابحث عنى ولااجدنى صادقت المثقفين ولست منهم وسايرت السفهاء ولست معهم فلا الى هؤلاء ولاالى هؤلاء وماوجدت جدوى من كل مافعلت ودعانى الداعى الى فكره الزواج فلبيت ظنا منى انه طوق نجاه من حيره وفعلا يرسم لى دورا بدل الحياه بلادور
زوج ينجب اولادا فيصير ابا يربى اولاده ويعلمهم ولكن هناك فرق بين مانتمنى ومانعيش.فما صادفته فالحياه صادفت مثله فالزواج
نفور منى ومن مظهرى، استنكار لطريقتى فى الحديث. احاديث فارغه لاقصد لها سوى التخلص منى الى وجهه اخرى مره تلو مره تلو مره فلا اجد الا رد الفعل نفسه كأن الله سبحانه خلق البشر جميعا على مثال واحد فقررت ان اعتزل الحياه حقا هذه المره. ان اصاحب الاحق بصحابتى انا..وسكت...
وجدت نفسى امام بحر زاخر ماءه دموع واعماقه مأساه وشاطئه حزن. لكن فضولى لم ينتهى ومازالت هناك مسأله تلح على.فبدأت اكتب وحروفى تلتف بالحياء: وبنات الهوى...؟! ادهشنى ان وجدته يجيبنى بايموشن ابتسامه ويقول: يالك من شخص حسن التربيه.مهذب اللفظ حتى فى وصفك لمن احترفت بيع جسدها.لاتقل بنات هوى بل قل:عاهرات. احنقنى التفافه على سؤالى واحتدت حروفى وانا ارد عليه: مااكثر المسميات الخاطئه.
قال: انا المح العصبيه فى حروفك فقد كن كثيرات الظهور امامك منذ البدايه لذا سأقول لك الحقيقه دون ابطاء.لى صديق فيلسوف بأقوال السفهاء شغوف قالها ذات مره: مالك تشغل نفسك بالزواج وكل نساء العالم ملك يمينك فبضغطه زر تحصل على من تريد وستلبى جميع رغباتك مادمت تدفع ثمنها.لااخفيك اننى سرت فى هذا الطريق وحقا وجدت لديهن مالم اجده لدى غيرهن.انا سيدها وهى جاريتى تحقق مااريد.لاتجادل، لاتناقش ولاتعترض.هى بين اصابعى دميه احركها كما اشاء حتى حين عندما ثار فى عقلى سؤالا تلقائيا: الى متى اقضى حياتى فى احضان العاهرات.الست انسانا من حقى ان اعيش واحب.كفانى حياه على الحافه بلاحب بلاصداقه بلاحياه، ولاادرى ماذا افعل...وبعد سكوته كتبت له بحروف تعمدت ان املئها قوه "كن بسيطا تكن اجمل ولاتتصنع شخصيات من اجل احد فمن لاتعجبه ذاتك لايستحق البقاء معك"
فكن نفسك...(تمت)
شاركه على جوجل بلس

عن جريدة النداء المصرية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق