
عاطف الطيب : أحد رواد الواقعية بالسينما المصرية
كتب . محمد عبد الغني
عاش عمراً فنياً قصيراً لم يتجاوز 15 عام ، منذ أن أخرج أول أعماله
السينمائية عام 1982 ، لكنه ترك فنا خالداً سيظل مثيرا للجدل دائما ، قدم خلال هذه
الرحلة القصيرة 21 فيلما من روائع السينما المصرية ،صنفت تلك الأفلام ضمن أفضل ما انتجته السينما فى تاريخها، بل
معظمها صنف ضمن أهم مائة فيلم مثل "سواق الأتوبيس " الذى جاء فى المرتبة
السابعة فى تقييم النقاد لأهم مائة، وجاء فيلم "البرىء " فى المرتبة
الثامنة والعشرين ثم "الحب فوق هضبة الهرم" فى المرتبة السابعة والستين
، إنه رائد الواقعية في السينما المصرية وأحد أشهر رموزها في فترة الثمانينيات
المخرج عاطف الطيب .
حياته
وُلد المخرج عاطف الطيب في 26 ديسمبر 1947 ، بجزيرة الشورانية مركز المراغة
بمحافظة سوهاج، ثم تخرج من المعهد العالي للسينما - قسم الإخراج عام 1970، كما
التحق، بعد تخرجه، بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، وقضى به الفترة العصيبة (1971 ـ
1975)، والتي شهدت حرب أكتوبر 1973.
ارتبط اسمه ارتباطا مباشرا ووثيقا بقضايا المواطن المصري البسيط وبحقوقه
التي كفلتها الحياة له، ولذلك فقد كانت ولا تزال أغلب أعماله مثيرة للجدل النقدي
وغير النقدي لما تتطرق إليه من قضايا تتعلق بالحريات العامة والخاصة علي السواء
وقضايا الحرب ضد الاستعمار بجميع أشكاله وأيضا القضايا التي تخص العلاقة بين
المواطن والسلطة ممثلة في أي من أجهزتها ومؤسساتها وهو ما يمكن أن نلاحظه في
الكثير من أفلامه
فبالرغم من وجود عمالقة ينتمون لجيل الواقعية مثل محمد خان وداود عبد السيد وخيري بشارة، إلا أن
"الطيب " أصبح استثنائًا فنيًا خالصًا، وخاصة فيما يخص تلك الدرجة التي
تأخذ المشاهد للتفاعل إنسانيًا مع ما يشاهده، بل والتوحد التام مع شخصيات العمل .
فقد عبر عن آلام و آمال هذا الشعب وكانت اعمالة معبرة تعبيراً راسخاً
عن الواقع الملموس والمعاش للشخصية المصرية مثل
"التخشيبة"
و"الزمار" عام 1984 والذي لم يعرض علي الجمهور بل تم عرضه في
عروض خاصة علي الرغم من اشتراكه في مهرجان موسكو السينمائي الدولي عام 1985
ومهرجاني برلين والقاهرة، وفيلم "ملف في الآداب" و"الحب فوق هضبة
الهرم" و"البريء" عام 1986، و"كتيبة الإعدام" عام 1989،
و"الهروب" عام 1991، و"ناجي العلي" عام 1992، و"ضد
الحكومة" عام 1992.
نال إشادات كثيرة من النقاد، الذين أجمعوا على أنه برع في استخدام ممثليه
لتوصيل فكرة بشكل واع وجميل حيث استفاد من قدراتهم التمثيلية، بل إنه في بعض
أفلامه اعتمد وبشكل أساسي علي تلك القدرات الأدائية مثل أداء "أحمد زكي"
في "الهروب" و"البريء" وأداء نور الشريف في "ناجي العلي
" ومحمود عبدالعزيز في "الدنيا على جناح يمامة".
مسيرته العملية
وخلال الفترة التي قضاها بالجيش،
أخرج فيلماً قصيراً هو (جريدة الصباح ـ 1972) من إنتاج المركز القومي للأفلام
التسجيلية والقصيرة.
وخاض " الطيب" تجربة إخراج الفيديو كليب حيث قام في عام 1994
بإخراج أغنية "كتبتلك" للمطربة
لطيفة باستخدام سينما كليب وفي نفس العام
أخرج كليب المطربة أنغام "شنطة سفر".
الخلود
لأنه كتب له الخلود مازالت أفلامه تثير الكثير من الجدل لين النقاد
والمبدعين ، حيث رصدت أعماله صورة الحاكم الظالم والنظام الفاسد، بداية من سواق
الأتوبيس، الذى قدم فيه نور الشريف واحدا من أهم أدواره وانتهى بمشهد محاولته
إنهاء الفساد والسرقة بطريقته هو عندما طارد اللص من الأوتوبيس إلى الشارع وأنهى
الفيلم بكلمته الشهيرة "يا اولاد..".
وهى نفس الصورة القاتمة التى قدمها فى "كتيبة الإعدام "
و"البرىء" و"الهروب" والحب فوق هضبة الهرم "
و"التخشيبة" و"ضد الحكومة" و"ليلة ساخنة " هى أفلام
رصدت سنوات الظلم التى عاشها الشعب المصرى بل المواطن البسيط .
الشعور بآلام القهر
كان الطيب مخرجاً ثورياً جاءت جميع
نهايات أفلامه صادمة ومؤلمة، فيها قدم الثورة على الظلم بكل أشكاله، منها ما
اعترضت عليه الرقابة ومنها ما اعترض عليه النظام السياسى ، كما حدث في نهاية فيلمه الصادم جدا "البرىء " الذى ما
زلنا نشاهده بدون نهاية، ولا يعلم كثيرون أن المشهد الأخير منه محذوف بأمر من
وزارة الدفاع.
عاش وهو يشعر بآلام القهر التى فرضها النظام على بعض أفلامه ومنها
"ناجى العلى" الذى قدمه عن رسام الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى، الذى
اغتالته يد الموساد وقام بدوره نور الشريف، وتعرض الفيلم لهجوم شديدمن منطلق أن
ناجى العلى أهان مصر فى بعض رسومه الكاريكاتورية، وتم منعه من العرض.
مساعداً لكبار المخرجين محلياً وعالمياً
عمل كمساعد مخرج في أفلام أجنبية عديدة والتي تم تصويرها في مصر، حتى بدأ
في إخراج أول أفلامه الروائية “الغيرة القاتلة” عام 1982، حيث عمل عاطف الطيب
مساعداً للمخرج العالمي لويس جيلبرت في فيلم "الجاسوس الذي أحبني"، ومع
المخرج جيلر في فيلم "جريمة على النيل"، ومع المخرج مايكل بنويل في فيلم
"الصحوة"، ومع المخرج فيليب ليلوك في فيلم "توت عنخ أمون"،
ومع المخرج فرانكلين شافنر في فيلم "أبو الهول".
كانت علاقته قوية بالمخرج العبقري شادي عبد السلام، الذي عمل معه كمساعد
للإخراج في فيلم (جيوش الشمس 1973)، الذي يتحدث عن حرب أكتوبر، حيث استفاد كثيراً
من هذه التجربة، فقد كانت طريقة وأسلوب شادي يجذبانه. وبعد أن ترك الجيش، عمل
مساعداً للمخرج محمد بسيوني في فيلم (ابتسامة واحدة لا تكفي ـ 1977). ثم مساعداً
لـ يوسف شاهين في فيلم (إسكندرية ليه ـ
1979) ، كما عمل مساعداً للمخرج محمد شبل في فيلم (أنياب ـ 1981)
تعاونه مع كبار الكتاب
تعاون عاطف الطيب مع الكاتب
والمؤلف وحيد حامد في خمسة أفلام، بينما تعاون مع المؤلف بشير الديك في 4 أفلام،
ومع الكاتب مصطفى محرم في 3 أفلام، ومع الكاتب أسامة أنور عكاشة في فيلمين فقط.
فى فيلمه الأخير "جبر الخواطر" أحس بمعاناة آلام القلب، فكان
كلما صور مشهدا فى استديو مصر حيث قام ببناء ديكور لعنبر مستشفى مجانين، عاودته
الآلام فخرج ليجلس على كرسى بجانب الديكور وبرفقته مدير التصوير الدكتور سمير فرج
والمونتير أحمد متولى صديق رحلة كفاحه الفنية.
وفاته
في 23 يونيه من عام 1995 استقبل عشاق فنه نبأ وفاته بعد عملية قلب مفتوح
فاشلة ، ليرحل عن عالمنا مبدع من طراز فريد ، استطاع خلال مشوار فني قصير زمنياً
أن يقدم أعمالاً خالدة ظلت وستظل من روائع التاريخ السينمائي
0 التعليقات:
إرسال تعليق