د. خالد عبد الغني |
في العام الدراسي 1987 – 1988 كنت في قريتي القريبة من الشمال الشرقي لمدينة القاهرة أدرس بالسنة النهائية بالمرحلة الثانوية العامة القسم الأدبي، وكان اهتمامي بالفن التشكيلي آنذاك كبيراً فرسمت صورة بورتريه لنجيب محفوظ وأبرز ما فيها تلك الحسنة عند خده الأيسر ، بعد أن رسمت أم كلثوم وتوفيق الحكيم وعباس العقاد وطه حسين وكانت تلك الأعمال موضوع جوائز بسيطة حصلت عليها أيام الدراسة الجامعية فيما بعد ، وانتظمت في كلية الآداب بالسنة الأولى في العام الدراسي 1988 – 1989 وعند عودتي للقرية في أحد الأيام أسمع الخبر يتردد في الإذاعة وهو فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل ، وقبل ذلك تعرفت على زميل يدرس بقسم الفلسفة ، وأخبرني بأنه عاد من المملكة الأردنية الهاشمية ومعه نسخة من رواية أولاد حارتنا ، وكنت أعرف أنها ممنوعة من النشر في مصر، وأن زميلي يعتبرها نسخة مهربة وممنوعة من التداول.
وهذا المنع ربما شجعني على قراءتها علاوة على أنه قال لي يومها: أن نجيب محفوظ يهاجم الله "سبحانه وتعالى" والأنبياء في تلك الرواية، وكانت أول قراءة منتظمة لي لنجيب محفوظ سبقتها قراءات سريعة ومبسطة ومعلومات في الصحف أو بعض المجلات أو متابعة لبعض الأفلام المأخوذة عن قصصه ، حتى درس لنا الدكتور السيد فضل - الناقد والأستاذ الجامعي وعميد كلية الآداب فيما بعد - بعض روايات نجيب محفوظ ذات الطابع النفسي وهي الشحاذ والطريق فزاد من أعجابي بعالم نجيب محفوظ رغم التحفظات الدينية التي أحاطه بها بعض الدعاة وكان أهمهم الشيخ عبد الحميد كشك والشيخ محمد الغزالي وبخاصة حول رواية أولاد حارتنا التي كنت أرى في اليوم الذي قرأتها فيه أن نجيب محفوظ استحضر القرءان الكريم وقصة خلق آدم وحواء وكذلك قصص الأنبياء ليحكي تاريخ الإنسانية.
وبالرغم من نشأتي الريفية القريبة إلى التدين إلا أني لم أستطع أن أجاري المنتقدين من أنصار الجماعات الإسلامية الذين كانوا ينتشرون في الجامعة حينها ومحاولاتهم الجادة لضمي– هذه كانت طريقتهم مع كل طلاب الجامعة- إليهم وتجنيدي في صفوفهم في موقفهم من نجيب محفوظ أو من حبي للفن والأدب.
وبعد سنوات بسيطة كنت قد تخرجت من الجامعة وعملت في مجال الصحافة والمعلومات وذات صباح في عام 1994 قرأت الخبر المفزع عن محاولة إغتيال نجيب محفوظ بأيدي أحد الشباب على خلفية فتوى بتكفيره ، وهزني الحدث إذ كيف لشاب أن يقتل شيخاً عمره 83 عام ، وكيف طاوعه قلبه وكيف آمن عقله وكيف أمسكت يده بالسكين ؟ بل والأدهى من ذلك كيف صدرت تلك الفتوى من جاهل بالدين وبالفن وبالأدب بل وبالحياة نفسها ؟.
وظللت أتابع القضية وأخباره الصحية زمناً وأقرأ له كل ما تيسر لي ، وفي عام 2000 سافرت للعمل خارج الوطن وتعرفت على صديقي الشاعر السوري الكبير عيسى الشيخ حسن وزاد من عمق علاقتنا أنه يعشق كل ما هو مصري حتى لغته تحولت الى اللهجة المصرية . ليقول لي :" كنا ونحن صغارا نتباهى بتقليد لغة المصريين التي نراها في السينما ، وكنا نتسابق لقراءة رواية أو كتاب لمبدع مصري وإن نجيب محفوظ وجمال عبدالناصر وأم كلثوم هم من سيبقوا في التاريخ"، ورأيت في مكتبته في حجرته التي يسكنها – إذ كان يسكن في مكتبة لا في حجرة - معظم روايات نجيب محفوظ وغيره ولقد منحني الكثير منها.
وعندما جاء لزيارة مصر في صيف عام 2004 عاد ومعه حقائب تصنع مكتبة كاملة، وكان – عيسى الشيخ حسن - دافعاً قوياً لي لكي أبدء في مشروع القراءة النفسية للأدب الذي رأى بحدسه قدرتي على الإضافة إليه – ولعلي أكون استطعت تحقيق حدسه - .
وكانت البداية أن تحدثت عن الحرافيش ونجيب محفوظ في محاضرة عامة تحدثت عنها الصحف لأكثر من أسبوع بالدوحة ، ونشر لي في الصفحة الأدبية الرئيسية بجريدة الشرق التي يعمل بها مقالين عن الحرافيش ، وفتح لي الباب للنشر في مجلة عمان الثقافية بالأردن، لأحقق منها انطلاقة بدأت من عام 2006 وحتى توقف المجلة في نهاية 2009 نشرت خلالها دراسات نقدية للأدب شعره ونثره من منظور علم النفس، وفي 28 أغسطس 2006 سافرت للخارج وكنت مقيم لمدة يومين في أبو ظبي، وسمعت بخبر خلود نجيب محفوظ للرفيق الأعلى في 30 أغسطس وأنا في أبو ظبي
وفي شهر مايو من عام 2005 ألقيت محاضرة بمركز إبداع الفتاة بالدوحة حول الفن التشكيلي عند ليوناردو دافنشي وديوان أناشيد مبللة بالحزن لعيسى الشخ حسن وملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ كانت حديث الصحف والناس لفترة طويلة من الزمن.
وفي 13/9/2006. كان لقائي الثاني بالأديب الكبير جمال الغيطاني – كان اللقاء الأول دون موعد في أحد شوارع القاهرة في صيف 2004 وكان عيسى الشيخ حسن حاضراً ذلك اللقاء بل كان الفاعل الأهم فيه واقتصر دوري على التصوير الفوتوغرافي لهما والذي احتفظت بعده في مكتبتي بصورة بديعة وفريدة ونادرة لهما معاً، وكان عيسى أيضاً صاحب اللقاء الثاني الذي عرفني بموعده - في محاضرة تحدث فيها الغيطاني عن نجيب محفوظ وكانت قد ألقيت بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بالدوحة وطلبت منه أن ينشر لي دراسة حول نجيب محفوظ وعاشور الناجي في جريدة أخبار الأدب التي يرأس تحريرها وأعطيته الدراسة ووعدني بنشرها قريباً، وفعلاً وفىَّ بما وعد ، ونشرت في العدد التذكاري رقم 700 بتاريخ 10 ديسمبر 2006 صفحة 14 و15 بمناسبة ذكرى ميلاده وعلى الغلاف صورة كاملة لنجيب محفوظ بعدسة جمال الغيطاني.
وبعد عودتي لمصر عام 2007 تولى – بمبادرة كريمة منه - عيسى الشيخ حسن إهداء كتابي التحليل النفسي والأدب "الملحمة والرواية والشعر" لعدد كبير من المبدعين والنقاد والإعلاميين الذي أثمر حواراً مطولاً - في إذاعة مونتكارلو الدولية - مع فايز مقدسي في برنامج أفكار تناول موضوع الكتاب ونجيب محفوظ وكان سؤال المذيع هل رأيت نجيب محفوظ ؟ وكانت أجابتي بالنفي لأني يوم أن تعرفت على عالم نجيب محفوظ كان عمره قد تجاوز الثمانين عاماً بقليل ، وكنت في مرحلة المراهقة وكان اللقاء مستحيلاً، فكيف الوصول إليه! ؟ وحكيت له كل ما سبق حول دخولي عالم نجيب محفوظ .
أيضاً نرشح لك مهدي بندق يكتب: خالد عبدالغني وكتاب "نجيب محفوظ وسردياته العجائبية"
0 التعليقات:
إرسال تعليق