كان التعرّف على
محتويات الحقيبة متزامناً مع انكشاف المغلق/ الداخل السري لكل شخصية هذا ما كان في
قصة "رسائل بظهر الغيب" ضمن المجموعة القصصية "حائط غاندي"
للأديبة الدكتورة عزة رشاد ، ففي القصة قصص لحالات
إنسانية مجسدة بذاتها. ففي البداية نجد بوسطجى يحيى حقى الخائن للأمانة، يكشف لنا
عن الرمزية الأولى للحقيبة فيقول " يتنهد البوسطجي وربما يتفكه بما على
الأظرف المتبقية من أغلاط الإملاء والعناوين متمتمًا: الحقيبة أكبر من حجمها،
الحقيبة مستودع أسرار..." وما مستودع الأسرار إلا تقنية استخدمها الفنان
القديم الذي كان يجوب القرى والنجوع وأحيانأ المدن أيضا بآلته الشهيرة "صندوق
الدنيا" ومن خلالها يشاهد الناس الكثير من الحكايات ، وهنا ستكون الحقيبة
مستودع الأسرار المليئة بالحكايات أيضًا .
ثم
قصة الفتاة اللعوب التى تبحث عن حقيبة ولكن الحقيبة لونها أبيض ودلالة اللون
الأبيض واضحة على البراءة والطهر والنقاء فلربما كانت الفتاة العشرينية بالرغم من
عملها في البغاء إلا أنها نقية دفعتها ظروف واقع خائن للأمانة مَثَّلَهُ هنا ذكر (البوسطجي)
أولا، فقد تمنت الفتاة أن يحبها الشاب عندما التقته بالحديقة " ثم نهض واقترب
من الشيخ يربت كتفيه بحنان فالتقت عيناه في تلك اللحظة بعيني الشابة الممسكة
بحقيبتها البيضاء، ابتسم لها، فيما كانت تتمنى في نفس اللحظة ألا يأتي الزبون وأن
يستجيب الله لدعاء أمها".، ولربما كان دلالة على المعطف الذي ترتديه الطبيبة
أو الممرضة ولن تكون تلك الدلالة بعيدة إذ نعرف أن الكاتبة طبيبة وسيأتي فيما بعد
ما يؤكد ذلك فيقول السارد "حقيبة نسائية بيضاء، تحب اللون الأبيض كما يريحها
أنه لا يستلزم ثيابًا شديدة التحديد، راعت حجم وعدد الجيوب والثنيات، بالإضافة
لشرطها الخاص: جيب سري لا يمكن لأحدهم اكتشافه، صغير يكفي لشريط الحبوب" .
ويأتي الشاب غاندي ويفتح – حقيبته - "مخلاته" ويطيَّر حمامة، ظلت شريدة
سنوات قبل أن تجد من يستقبل رسالتها، صار هو خلال هذه الفترة مريضًا بالفشل
الكُلوي والهزال لإضرابه عن الطعام بعدما فشل العصيان المدني أن يؤتي ثماره"
وهنا ظهر الشاب المريض وحاجته للعلاج وإجبار التكرار ذلك الميكانيزم التحليلي
النفسي الذي يفرض الأمر المهم سطوته فيتكرر ، وهو دنيا الطب والمرض والعلاج
والشفاء الذي سنجده في قصص أخرى تالية لهذه القصة داخل المجموعة، أما الحقيبة هذه
المرة فهي مخلاة يعرفها الفلاحون ومربوا الحمام كونها تسمح بالتنفس وسهولة الفتح ،
والحمامة رمز على الضعف والامل وإرهاصات الثورة /التغيير، ومن يعرف الكاتبة لن
يستغرب على وجود ذلك الثائر المريض في بنيان القصة فقد كانت مقيمة في ميدان
التحرير أيام يناير 2011 تصنع الأحداث وتتابعها وكأنها هنا تتوحد / تتماهي مع
البطل المريض وهنا ايضا ميكانيزم تحليلي نفسي فرض نفسه على الكاتبة في قصص أخرى
بالمجموعة سنأتي لها في حينه ولعل أبرزها قصة "قبعة وبدائل أخرى" .
وتطالعنا
الأديبة عزة رشاد بنوع آخر من الحقائب هو "بقجة الدمّور التي تحملها المرأة
الأربعينية بيد وبالأخرى تمسك بيد ابنتها" والحقيبة هنا وسيلة لأكل العيش
لأنها تحوي البضاعة المراد بيعها فهي حقيبة مخالفة في الشكل والمضمون لحقيبة
البوسطجي والفتاة وغاندي.
وها هي حقيبة أخرى يحملها شاب عاشق في زمن صعب
وقد وضع فيها خطاباته لحبيبته التي هزمته برفضها له فيقول الراوي " يخرج
صورهما المشتركة من حقيبته الصغيرة ويمزقها ويرميها تحت قدميه" ، وتأتي حقيبة
لها وظيفة أخرى هي حقيبة الجد مصدر الطعام والغذاء والبراءة أيضا "مع شقشقة
كل صباح ينهض الشيخ من فراشه ويعبئ الحقيبة بالسندوتشات والحلوى التي يحبها
حفيده،" .
ونأتي لحقيبة الكلمة الفصل التي تصنع
المأساة وهي حقيبة نيرون الذي أحرق روما كرمز للهلاك والدمار حقيبة
"نيرون". كان بداخلها قنبلة منزلية الصنع حسب خبراء المتفجرات. وجدوا
بجوار الأشلاء بقايا بؤجة دمور، وعدسات طبية سميكة، وشريط حبوب منع الحمل، وورد
دهمته الأقدام.".
إنها
المأساة والتفجير والدمار آخر ما حملته حقيبة صندوق الدنيا التي دمرت كل الحقائب
سواء ما كان للعمل أو للطهر أو للطعام أو لكل ما هو خير. وإنها رسالة عزة رشاد في
الختام إذ تنتقد الاعمال الارهابية الخسيسة التي تقتل الكل سواء كانوا أطفالا أو شبابا
أو شيوخا وعندئذ لن نستغرب إذ تحمل القصة عنوان "رسائل بظهر الغيب"
ويكون حاملها هو بسطجي يحيي حقي الخائن للأمانة فلم يحمل رسالة الأديبة لمن أرسلت
إليه فضلت طريقها وكانت المأسأة وأخواتها هي الحصاد المر، وما تلك الرسالة إلا فعل
الثورة / التغيير.
0 التعليقات:
إرسال تعليق