تمثل قصيدة الشاعر الكبير ماجد يوسف \'ناصر مصر
\' المنشورة في جريدة \'صوت الأمة \' في العدد 407الصادر في 29/9/ 2008 انتصارا للشعب
المصري ، وكسرا لحالة الحصار المفروضة عليه ، وانطلاقة واضحة وفذة للضمير المصري المتألم
والمكبوت ، ورعشة روح منفلتة من الموت متطلعة إلي الحياة ، والقصيدة ملحمة شعرية رائعة
من الملاحم الخالدة في تاريخنا الأدبي الحاضر ـ كما أراها ـ بشكلها ومضمونها . وهي
من القصائد التي لا يستطيعها إلا كبار الشعراء الأفذاذ الذين حفروا بصمتهم في جبين
الشعر ، وسجلوا صوتهم في دفتر الوطن ، وأعلنوا انتماءهم للضمير الإنساني الحي النابض
العائش في المستقبل .
شكل النص :ـ يعرف الشاعر الكبير بقدرته على تطويع
الشكل ليناسب محتوي النص فلا يحس القارئ أن ثمة تنافرا بين الشكل والمضمون ، أو أن
هناك تعسفا في استخدام الشكل ، أو التواء في تركيب الجملة ، أو عصيانا من القافية
... فإذا جاء كل ذلك في إطار عذب سلس عرفنا أن صاحب النص شاعر مرهف ، وعازف بارع ،
وفنان عميق هادئ ... وكان شكل نص \'ناصر مصر\' كذلك .. كله سلاسة وعذوبة .. ولن تجد
تعسفا في تطويع الكلمة ، أو حشرا لكلمة نابية لتناسب القافية ، أو التواء في الجملة
، أو تنافرا في الموسيقي ؛ وكل ذلك محمل بصور شعرية رائعة ومحلقة ، وثورة عاصفة دالة
، وجاء النص في \'شكل مسدسات \' شعرية ينتقل بعدها إلي \' المربع الشعري \' ، وكأن
الشاعر يطلق \'مسدسه\' على حالة من حالات الفساد ، وبؤرة من بؤر المرض ، ونقصا من نقائص
الوطن ، ثم يعود إلي نفس \' المربع الشعري \' وهو الحلم الجميل لدي الشاعر المتمثل
في شخصية \'جمال عبد الناصر\' التي تحمل قيما لدي الشاعر ـ صارت مفتقدة ـ الآن ـ ،
وعلاجا لأمراض هذا الزمان ...- وأنا أستخدم تعبير \' مسدسات \' بدلا من \'سداسيات
\' وإن كان سداسيات هو المصطلح الدارج في النقد الأدبي ـ والشاعر حين يفعل ذلك فإنما
يفعله رفقا بالقارئ ، ورحمة بالمتلقي ، وتقنية ذكية لوصول النص كله إلي المواطن
... فالشاعر الحقيقي كما المربي و المصلح والفيلسوف والطبيب يعالج الأمر بتؤدة ورفق
، وواحدة واحدة \' ولا يأخذ الأمر بضربة واحدة ! قد تأتي على الهدف فتقضى عليه وقد
تخطئه ، فالشاعر هنا في \'مسدسه \' أو- سداسيته ـ يصعد بالمتلقي إلي أفق شعري عال ليريه
حالة من حالات الفساد ، وخلية عفنة من خلايا السرطان ، وعوارا في النخبة ، ونقصا في
الحكم ، وخللا في المجتمع ، ونفاقا في الدين ، ثم ينزل بالمتلقي إلي حلم شعري مشترك
، ورؤية جماعية واحدة ، وزمن جميل ولي ، في شكل مربع شعري\' اعتاد القارئ عليه ، فإذا
قرأه أو سمعه لا يصدم ، بخلاف \' الشكل السداسي\' فإنه صادم بمحتواه ، وثائر بطوله
، ومبهر بقوافيه ، وشائك بتمرده ، ومفزع بصراخه في هذا السكوت المفجع .
المضمون :ـ المضمون العام لنص \'ناصر مصر\' يمكن
أن يجر وبسهولة إلي كتابة تقريرية جوفاء ، ومباشرة سطحية عمياء ، لو كان صاحب النص
شاعر غر ، أو شويعر مرتزق ، ولكن \' ماجد يوسف \' لا هذا ولا ذاك ؛ لذا استطاع أن يقود
نصه ليخلو من مثالب التقريرية ، وحماقة المباشرة ليأتي النص محملا بصور شعرية ترفعه
عاليا ، ولتأتى الجملة تقريرية ومباشرة حين يتطلب الأمر ذلك ولا يصح سواه .. والنص
في مضمونه يضع أمامنا فترتين من الزمن : فترة معاشة ، بكل أثقالها وأوجاعها ، وحلم
مضي بكل متاعب الأحلام
التي نتمنى عودتها خالية من شوائب الزمن ، وآفات
البشرية ، وطموحات القادة القاصرين عن رؤية المستقبل ليخلص القارئ إلى فترة زمنية غير
مذكورة صراحة في النص ، وهى المستقبل كيف يكون ؟ هل سيستمر الحاضر الكئيب المصور في
النص على ما هو عليه ، ويمتد قاتلا للوطن في مستقبله أم ستبعث صورة الحلم القديم وترتد
حقيقة واقعة وشمسا مشرقة للأجيال القادمة ؟
ويعكس النص بصيرة شعرية متوقدة ووعيا حادا لدى الشاعر/
ماجد يوسف بكل ما يجرى حوله ؛ فالشاعر في النص ليس غافلا ولا ساهيا عن هموم الوطن وأوجاعه
، فالنص ملم بأدق التفاصيل وأبسط الآلام فضلا عن المصائب الكبرى والجبن الأعظم والبلاوى
والابتلاءات وحالات الفساد والغش والتزوير والبلطجة ، ونفاق النخبة وتبعية الكلمة ومهادنة
العلماء وجهل رجال الدين وفى كل ذلك إنما نشير إلى الحالة الغالبة والبقعة القارية
لا الطينية التي تغطى السطح وإلا فما زال هناك رجال مخلصون ، وعلماء أمناء مجتهدون
، وضمائر يقظة متألمة ، وأصوات حرة مكتومة وأحلام كبيرة مجهضة وقصائد منيرة تطمح لترى
النور كقصيدة الشاعر الكبير / ماجد يوسف ! تلك القصيدة الملحمة المكتوبة عشقا للوطن
، وعشقا لرمز من رموزه جمال عبد الناصر الحي في الشعب .!!!
شكرا جيلا لكم
ردحذف