.

.

"تعويذة السيد المأمور؟!" قصة قصيرة لـ عمرو على بركات



"تعويذة السيد المأمور؟!" قصة قصيرة لـ عمرو على بركات


رفض السيد المأمور العودة مرة أخرى إلى مستشفى العجوزة، فقد كان يتشائم من إسمها، ويقول:" يا داخل العجوزة..يا طالع عاجز.. ياعجوزة"، وخاصة وإصابته كانت فى ساق قدمه اليمنى بطلق نارى أثناء مطاردته لزعيم تنظيم إرهابى فى مغارة بجبل الطارف دائرة المركز شرق النيل، فبعد مرور شهر على عودته للعمل، إرتفعت درجة حرارته، وتصبب عرقاً، وتورمت قدمه المصابة، زوجته تبكى، كل أطباء الوحدات الصحية بالمركز، والمراكز المجاورة بعد أن فشلوا فى علاجه نصحوه بالعودة للعجوزة، وهو مصر على الرفض، حضر بعض قيادات المديرية، وتجمع السيد نائب المأمور، ورئيس المباحث، ومجموعة من الصولات، والمخبرين، فى إستراحة السيد المأمور ينظرون فى أمر الحمى التى أصابته!؟ وكيف يخفضون حرارته الآخذة فى الإرتفاع، وفشل كل الأطباء فى السيطرة على حمى المأمور، بجميع أنواع المضادات الحيوية، والمسكنات، وخافضات الحرارة، حتى "سِنة" الأفيون التى وضعها رئيس المباحث له فى كوب الشاى المغلى لم تفعل شيئاً؟! ودخل المأمور فى مرحلة الهذيان، وبدأ يسب ويلعن جميع القيادات التى تسببت فى إصابته، ويكشف خبايا، وأسرار تاريخه فى العمل، حتى همس رئيس المباحث فى أذن نائب المأمور قائلاً:" أكيد الكلام ده هيوصل فوق.. لازم حرارة المأمور تنزل هنروح فى داهية..لو الكلام ده وصل المديرية.. أنت عارف.. المأمور كده بيفشى أسرار الوزارة"، فقال له نائب المأمور بصوت خافت:" بس ده عنده حمى.. والقيادات أهى شايفاه؟"، فرد رئيس المباحث كاتماً صوته كمن ضاق صدره:" وهى تفرق؟ حمى؟ ولا مش حمى؟ أنا قلت لك"، وكان حاضراً حضرة الصول"أمين"، والمعروف بالشيخ"أمين"، لأنه بيعمل بعد النوبتجية مأذون فى قريته، ويفك المربوط، ويعمل أعمال، ويفك السحر، فتدخل قائلاً:" الحل عند مولانا الشيخ خضر.. فهو الوحيد اللى عنده مخطوطة كتاب الجفر بالسر الأعظم.. وبه تعويذة الحمى الكبرى، هجيبه لقرايتها على البيه المأمور..علشان يسكت خالص"، صمت الجميع، إلا أن الشيخ الصول "أمين" إنطلق فى بوكس المأمور لإحضار الشيخ "خضر"، والذى رفض الذهاب معه فى أول الأمر، متعللاً بأنه يكره الحكومة، إلا أنه وافق بعدما توسل إليه الصول "أمين".
جلس الشيخ "خضر" على الأرض أسفل قدمىّ المأمور،بعد أن سبح، ولمح، واستخار، وملس، واستعوذ، وتشعوذ، وبدأ يتلوا عليه تعويذته من كتاب "الجفر الكبير"، والذى يحفظه عن ظهر قلب، وهو يدعك قدمىّ المأمور، وعلى الفور وسط زهول الجميع بدأت حرارته تنخفض، وخرج العرق من جميع أنحاء عروقه، وتوقف عن الهذيان، فحمد الله السيد رئيس المباحث، وبكت زوجة المأمور من الفرحة، وكبر الجميع، وبدأ المأمور يحاول الوقوف، حتى وقف دون مساعدة من أحد، وصافح الشيخ "خضر"، بل قبل يديه، وانصرفت القيادات بعد الاطمئنان على حالة المأمور الصحية، وتوقف هذيانه.
وبعدها صار الشيخ "خضر" صاحب الحظوة، والخطوة عند السيد المأمور، يدخل مكتبه فى أى وقت يشاء، بل أصبح يتوسط عنده لقضاء حوائج أهل المركز، والإفراج عن المحبوسين، ووقف، وتنفيذ قرارات الإزالة، وتسريب، وتجنيد شباب التجنيد، وبعد مرور شهر واحد فقط على تلاوته لتعويذته على السيد المأمور، ضاق جميع من فى المركز بمختلف رتبهم من سطوة الشيخ "خضر"، حتى قال الصول "أمين":" هو قرأ عليه تعويذة سخرت المأمور له بالجن"، فقد قطع الشيخ " خضر" سبيل كل الرشاوى وأعمال الوساطة التى كان يتربح منها الصولات، والمخبرين من الأهالى، فقرر الجميع متحالفين مع السيد نائب المأمور، والسيد رئيس المباحث بالتخلص من الشيخ "خضر"، بينما كان هناك هدفاً آخراً غير معلن لتحالف رئيس المباحث معهم؟!
فقام السيد رئيس المباحث بكتابة محضر تحريات جديد مرفق بمحضر واقعة إصابة السيد المأمور، أثبت فيه توصله لمعلومات عن الجماعة الإرهابية التى كان يطاردها السيد المأمور، مما أسفر عن إطلاق النار عليه وإصابته فى ساقه اليمنى، وأن زعيمها والذى يقام بإطلاق النار على السيد المأمور هو الشيخ "خضر"، وأثناء عرض محضر التحريات على المأمور بمعرفة رئيس المباحث، إندهش المأمور قائلاً:" كيف يكون الشيخ خضر هو الإرهابى الذى كان قد أراد قتلى؟! وهو الذى قام بشفائى من الحمى بتعويذته؟!"، فقال رئيس المباحث بثقة:" الإرهاب يتلون بكل لون..سعادتك.. والشيخ خضر هو الحرباية..معاليك"، ولكن المأمور سأل رئيس المباحث قائلاً:" أنت متأكد من تحرياتك؟ قبل ما تروح تجيب أمر بالقبض على الشيخ خضر من النيابة؟"، فأجاب رئيس المباحث بحزم:" الشيخ خضر الذى نجح فى شفائك بدون علاج أو برشام، بتعويذته.. مازال يسعى لقتلك.. ربما بتعويذة أخرى من كتابه بدون إطلاق النار عليك..ولو بتشك فى تحرياتى؟ أنا أشك فى حياتك!"، وخرج رئيس المباحث من مكتب المأمور متوجهاً للنيابة لإستصدار أمر بالقبض على الشيخ "خضر"، ودخل نائب المأمور، وجلس على المقعد المواجه لمكتب المأمور، وقبل أن يبدأ مع أى حوار، وخلال فترة الصمت التى فصلت بين تحية المأمور وجلوس نائبه، فُتح باب المكتب، وإذا بالشيخ "خضر" يدخل كعادته، ويجلس على المقعد المواجه لنائب المأمور، أمام مكتب المأمور، وكان يحمل لفافة ورق جرائد صفراء، قام بفضها على الفور، فإذا بها كتاب قديم جلدته حمراء باهتة، قام بوضعها على مكتب المأمور، أمامه مباشرة، وقبل أن يسأله المأمور عن الكتاب، قال الشيخ "خضر":" جبت لك مخطوطة كتاب الجفر كله.. بكل تعاويذه اللى ممكن تحتاجها طول عمرك"، فقال له المأمور كالمغيب:" وفيه التعويذة اللى شفتنى؟"، فقال الشيخ "خضر":" إفتحه وأنت تعرف كل حاجة من تعويذة الحمى إلى التعويزة اللى تخليك وزير"، فحاول المأمور فتح الكتاب، ولكنه وجد صعوبة فقد كانت جلدته ملتصقة بصفحاته، وتمكن من فتح الغلاف بقوة، وحذر، وعند أول صفحة صفراء، مكتوبة بخط نسخ قديم شبه مائل، بدون تنقيط، قرأ بصوت مرتفع، كما لو كان يتلو على نائبه ما يقرأ:" هذا كتاب الجفر الجامع .. والنور اللامع...".
فقال الشيخ "خضر" قلب الصفحة التالية"، فقام المأمور ببل أصبعه بلعابه من فوق طرف لسانه، ومدها على الصفحة ليقلبها، فقال الشيخ "خضر":" إقرأ".
فقرأ المأمور فى الصفحة الأولى بعد صفحة العنوان:" قال الشيخ كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة..الراجى عفو ربه ورضاه..رضى الله عنه وأرضاه الذى أطلع من حباه من عباده الأبرار على خفايا الأسرار، وأسمع من إرتضاه من أصفيائه الأخيار...." هنا قاطعه الشيخ "خضر" قائلاً:" قلب كمان"، فقام المأمور ببل إصبعه بلعابه من فوق طرف لسانه، ومدها على الصفحة ليقلبها، فقال الشيخ "خضر":" إقرأ".
فقرا المأمور متلعثماً:"...الذى أودع سر الجفر..."، هنا قاطعه الشيخ "خضر" قائلاً:" قلب كمان"، فقام المأمور ببل إصبعه بلعابه من فوق طرف لسانه، ومدها على الصفحة ليقلبها، فقال له الشيخ "خضر" :" قلب كمان"، وهنا كان المأمور قد بدت عليه أعراض غريبة، فهو يحرك شدقيه بعنف ليستثير لعابه فى فمه بصعوبة، وكأن ريقه قد أصابه الجفاف التام، وقام المأمور ببل إصبعه بلعابه من فوق طرف لسانه، ومدها على الصفحة ليقلبها، وعندئذ لاحظ نائبه إحمرار وجه المأمور الشديد، ثم إصفراره، وكان متثاقلاً كمن يقاوم شيئاً ما جثم فوق صدره، ولكن الشيخ "خضر" أمره متجاهلاً:" إقرأ".
فنظر السيد المأمور إلى الصفحة التى أمامه كما لو كان يبحث عن الكلمات المخطوطة، فقرأ متثاقلاً، متهجياً حرف، حرف:" بعض مطلوبك فيه..هو سر من أسرار الإسم الأعظم..."، وهنا بلغ الثقل برأس المأمور مبلغه، وفصد العرق غزيراَ من وجهه، وأنكفأ فجاة على مكتبه فوق صفحات مخطوطة الشيخ "خضر"، وبدأ الريم يسيل من فمه، فاختلط بحبر الحروف، وإلتصق بخده، فقام نائبه على الفور يجس نبض المأمور، وإذا برئيس المباحث يقتحم المكتب صائحاً:" الكتاب مسموم...الكتاب مسموم"، ولكن نائب المأمور أخبره:" لقد مات المأمور"، فنظر رئيس المباحث إلى الشيخ "خضر"، وهو قابض على أمر القبض عليه، ونظر لجثة المأمور على مكتبه، وقام بتمزيق قرار النيابة، وهو يغمز بعينه للشيخ "خضر".
شاركه على جوجل بلس

عن جريدة النداء المصرية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق