هاني
سيد أحمد يكتب: "الخبير - المستشار - الاستشاري - المعالج
– الأخصائي"
"إشارة لمجال التدريب في تخصص علم النفس والمهن المرتبطة في عالمنا العربي"
نقرأ بشكل يومي في مجالنا عن دورات تدريبية يُمنح
من خلالها المتدرب لقب خبير أو استشاري أو معالج أو أخصائي منها:-
خبير علم النفس .. أخصائي استشارات أسرية .. خبير
سلوكي.. خبير علاج نفسي .. خبير استشارات نفسية.. خبير علاج معرفي سلوكي .. استشاري
نفسي أطفال ومراهقين .. خبير علاج نفسي .. معالج نفسي .. أخصائي علاج نفسي معرفي
.. أخصائي اضطرابات نمائية و توحد .. خبير تأهيل تخاطبي .. خبير تربية خاصة .. استشاري
أسري .. أخصائي قياس وتقييم نفسي ... معالج معرفي سلوكي .. أخصائي صعوبات تعلم ...
إلى أخر تلك المسميات المجانية.
فالعملية يحكمها بالطبع أشخاص أو جهات تهتم بالربح
السريع تلعب على وتر رغبة المتدرب حديث التخرج في الحصول على شهادة نظير مقابل مادي
.. والمتدرب هو الآخر لديه رغبة جامحة في الحصول على لقب كاذب يستخدمه فيما بعد لتقديم
خدمات هو غير مؤهل لتقديمها لأنها تتطلب تخصص وإطار نظري أكاديمي وخبرة تدريبية وفنيات
علاجية يجب أن يخضع لها قبل تعامله مع الحالات...
بل نجد أن من حصل على هذه الدورات أصبح في يوم وليلة
هو الآخر مدرباً وينظم دورات تدريبية ويقدم تدريبات متخصصة في المجال.
وفي حقيقة الأمر لا أعلم ما هي الجهات التي تمنح
شخص حصل على دورة تدريبية مدتها ساعات أو عدة أيام او أسبوع أو شهر أوعدة أشهر صفة
خبير أو استشاري أو معالج أو أخصائي ... ولكن بشكل عام هذا يعد مؤشراً لما وصلنا إليه
في عالمنا العربي من ارتجالية وعشوائية منقطعة النظير، وما وصلنا إليه من عدم احترام
و إهانة للعلم والتخصص والمتخصصين؛ وما يتبعه بالطبع من انتهاك حقوق طالبي الخدمات
من البشر والذين يمثلون فئات متنوعة من الأطفال والمراهقين والكبار والأسر، وذوي اضطراب
التوحد، وذوي إضطراب نقص الانتباه - فرط الحركة، والمرضى النفسيين، وذوي اضطرابات اللغة
والصوت والكلام، وذوي التأخر الدراسي وبطء التعلم وصعوبات التعلم وغيرهم.
وما دام هناك انهيار أخلاقي واضح وعدم التزام بالمعايير
الأخلاقية والمواثيق الدولية في هذا الشأن فإن الأمر يتطلب وضع قواعد وقوانين لتنظيم
التدريب في عالمنا العربي تتضمن أسس التدريب وصفات المدرب ومن له حق التدريب، ومن يُطلق
عليه مُدرب، وقواعد قبول المتدربين، والجهات المسموح لها بالتدريب، ومنح شهادات التدريب؛
وهذا في مجمله سيحدد بالطبع اختصاصات جهة التدريب وتخصص المدرب والمتدربين.
ويجب في
هذا النطاق أن نشير إلى عدة نقاط على درجة كبيرة من الأهمية:
- قد يكون التدريب مفيد وقد يكون المدرب متخصصاً
ومتميزاً في المجال الذي يقدم فيه التدريب وسيقدم مادة علمية متميزة، ولكن أن يمنح
شخص حصل على هذه الدورات هذه الألقاب ( خبير / استشاري / معالج / أخصائي) ... فعذراً
لا يمكن قبول ذلك.
- قد يكون المدرب شخص متخصص حديث التخرج ولا
تتعدى سنوات خبرته سنة إلى خمس سنوات
ويقدم دورة تدريبية ويمنح من خلالها المتدربون لقب
استشاري أو خبير فما هذا الهراء بالله عليكم فكيف لمن هو ليس بخبير ولا استشاري أن
يمنح هذه الألقاب للآخرين.
- يجب أن توضح جهة التدريب للمتدربين تعريفاً
جيداً بالمدرب يتضمن تخصصه ومؤهلاته وخبراته التدريبية، وهل هو مخول بالتدريب فعلاً؟.
- يجب أن توضح جهة التدريب أيضاً عناصر المادة
العلمية ومحتوى التدريب النظري والعملي، وهل توجد حالات سيتم تطبيق ما تم التدريب عليه
عملياً؟ هل المتدرب سيتعامل ويطبق مع الحالات؟.
- إن الاستشاري يكون قد حصل على هذا اللقب
بعد ١٠ سنوات على الأقل من حصوله على المؤهل العلمي في تخصصه ومارس خلالها خبرة عملية
فنية في المجال، وتلقى خلالها تدريبات نظرية وعملية وتعامل مع مئات الحالات في تخصصه،
وحصل على دبلومة متخصصة في مجاله الدقيق ثم الماجستير والدكتوراه، أو الماجستير على
الأقل مع سنوات خبرة عملية.
فهل يعقل
أن يُمنح شخص حصل على دورة تدريبية هذا اللقب " استشاري".
- الاستشاري يركز على استعراض وإدارة النظام
الإرشادي والعلاجي للمرضى ومتلقو الخدمات في التخصص ويتأكد من أن أساليب التدخل والإجراءات
المستخدمة مناسبة وفعالة و آمنة قدر الإمكان ومستخدمة بشكل صحيح. وعليه أن يتعرف على
أي مشكلة متعلقة بالإجراءات والفنيات العلاجية والتي من الممكن أن تتداخل مع أهداف
العلاج ويحاول مناقشتها وحلها مع فريق العمل ومحاولة منعها.
فهل ترى
في نفسك استشاري بعد حصولك على مثل هذه الدورات التدريبية؟!!!!!!
- الخبير هو شخص لديه مهارة و معرفة شاملة
وموثوقة في مجال معين.
فهو الشخص الذي يملك المعرفة التخصصية المكتسبة
من المؤهلات العلمية التي يعتد بها، والخبرة العملية في المجال، وله القدرة على المساهمة
المنهجية ذات الطبيعة الإبداعية في التجديد المعرفي والفني على المستويين النظري أو
التطبيقي في دائرة تخصصه.
فهل بعد
هذا التعريف للخبير يمكن أن نطلق على شخص حصل على مثل هذه الدورات التدريبية لقب خبيراً؟!!!
- الخِبرة في اللغة – بكسر الخاء وضمها –
هي العلم بالشئ، يقال خبر الشئ إذا علمه وعرف حقيقته، من هذا المعنى العام تعددت الاستخدامات
فاستدل بلفظ الخبرة على كل حذق أو إجادة لمهنة أو عمل ما أو تخصص في علم من العلوم
باختلافها وتدل أيضا على طول الممارسة وكثرة الدخول في التجربة المعينة، والخبير بالشئ
العالم به بصيغة مبالغة : مثل عليم وقدير واستعمل في معركة كنه الشئ وحقيقته. قال تعالى:
فاسأل به خبيراً (الفرقان آية 59)
هذا أحد
تعريفات الخبرة فهل أصبحت عزيزي المتدرب بعد الحصول على هذه الدورات التدريبية شخص
ذو خبرة؟!!!!!
- الصفات التي يجب أن تتوفر في الخبير ومقومات
عمله:
أ-العلم بالشيء الذي أصبح به خبيراً: وهو أن يكون
حافظا لأسس المادة التي تخصص بها وأن تنكشف له صورتها عقلاً وأن يعتقد جازماً بصحة
المعلومات التي لديه عنها وهذا يتطلب تأهيلاً أكاديمياً وممارسة عملية في مجاله.
ب-المعرفة:وهي إدراك الشئ على ما هو عليه، والإدراك
يتم بالتمعن والتبصر وقوة ونفاذ البصيرة والقدرة على الإحاطة بعناصر الموضوع.
ج-التجربة: تعني الاختبار مرة بعد أخرى أي أن يمضي
على الخبير فترة كافية وهو يمارس العمل الذي يختص به.
فالخبير ينقل مشاهداته نتيجة المعاينة. ويطبق ما
لديه من أسس عملية وتجربة على المعلومات التي حصل عليها نتيجة الدراسة والتمحيص.
هل بعد
قراءتك لصفات الخبير ترى أنها تتوفر لديك سواء أكنت مدرباً أو متدرباً؟!!!!!!!
- المعالج هو متخصصاً إكلينيكياً (عيادياً)
تخصص في المجال الإكلينيكي بعد أن أنهى دراسته في ممارسة واحد أو أكثر من طرق العلاج
المعترف بها.
ومن هنا فإن مؤهلات المعالج لابد وأن تكون التخصص
بالإكلينيكي و من ثم التخصص في واحدة أو أكثر من طرق العلاج النفسي المعترف بها من
خلال اتباع دورات تأهيلية لدى جهات متخصصة بذلك.
فهل ترى
أن مثل هذه الدورات التدريبية تؤهلك لأن تكون معالجا؟!!!!!
- إن عمل المتخصص النفسي يقوم على الاستخدام
الفني ذي المقومات العلمية، للمعارف والتقنيات النفسية، بهدف تعديل السلوك الإنساني،
في واحد من ثلاث مجالات عريضة هي:
- مواجهة الأعراض النفسية المرضية، وزيادة
القدرة على الحياة بشكل منتج.
- تحسين العلاقات الاجتماعية، وزيادة الوعي
بالذات.
- زيادة القدرة على المواجهة الفعالة لشتى
المآزم الحياتية والتطورية المفاجئة أو المتوقعة.
هل أصبحت
أخصائياً بعد أن تلقيت تدريباً في مثل تلك الدورات؟!!!! هيهات
- في الحقيقة يجب أن نشير إلى ملاحظة هامة
لها علاقة وثيقة بموضوع المقال ومستندة إلى دلائل من خلال أسئلة واستفسارات خريجي علم
النفس على صفحة جروب ( أنا خريج علم نفس) الذي يضم ما يزيد عن 22 ألف عضو على صفحة
التواصل الاجتماعي ( فيس بوك):
حيث أظهرت تلك الاستفسارات قصوراً واضحاً يكاد يصل
لحد غياب دور أقسام علم النفس بجامعاتنا العربية نحو الطلاب المقيدين بأقسام علم النفس
فليس من المعقول أن الخريج أو الطالب لا يعرف مسماه الوظيفي إذا التحق بعمل، ولا يعرف
أماكن العمل التي يمكنه الالتحاق بها، ولا يعرف طبيعة عمله، ولا يعرف اختصاصاته ومهامه
الوظيفية، ولا يعرف أي الأماكن التي يمكن استكمال دراساته العليا بها، ولا شروط التقديم،
ولا ما تمنحه الشهادة التي سيحصل عليها من فرص وظيفية أو فرص تكميلية لمرحلة دراسية
أعلى، ولا يعرف المجالات التي يجب عليه أن يتدرب عليها، ولا أين يمكنه الحصول على التدريب
فيها، ولا الأماكن التي يمكن أن تمنحه تدريباً معترفاً به ومعتمداً.
- هذا فضلاً عن ما نلمسه من قصور واضح في
التدريب العملي لمعظم خريجي علم النفس في وطننا العربي، فهل هذا وضع خريج علم النفس
بعد دراسته المتخصصة على مدار ٤ سنوات دراسية؟!!!!!!
- معظم فروع علم النفس في عالمنا العربي ما
زالت تدرس لطلابها كلاسيكيات علم النفس ويبدو أنها توقفت عند هذا الحد ... وعلم النفس
علم متجدد طرأت عليه تغيرات كبيرة جدا في العقد الأخير، ولا يعقل أن يكون الخريج بهذا
المستوى العلمي المتواضع نظرياً وعملياً ونحن قاربنا على نهاية عام٢٠١٥.
- ننتظر دوراً فعالاً لأقسام علم النفس في
جامعاتنا العربية وتجديداً يواكب تطورات علم النفس المذهلة ويلبي احتياجات سوق العمل
لأخصائيين علم النفس وتأهيلهم وتدريبهم بما يتناسب مع هذه المتطلبات والاحتياجات المجتمعية.
وأخيراً وليس أخَّراً أن هدفي من هذا المقال هو
توعية الخريجين الجدد لأنه يجب علينا الوقوف بجانبهم وإرشادهم إلى طريق العلم والتدريب
السليم، والمساهمة في وضعهم على الطريق الصحيح في حياتهم العملية، ودق ناقوس الخطر
لما وصلنا إليه في مجال التدريب، وملامسة ومداعبة ضمائر القائمين على الجهات التدريبية
والقائمين بالتدريب ربما تحدث عملية إفاقة ومن ثم صحوة لضمائرهم ومساعدتنا في التصحيح
والتغيير، والأهم هو القيام بدورنا اتجاه من نقدم لهم الخدمات العلاجية والإرشادية
والتأهيلية فلا يصح علمياً ولا أخلاقياً تقديم خدمة غير مُدرّب على تقديمها مما يؤدي
إلى تأخر العلاج والتقدم بل قد يسبب ذلك تأخر في الحالات وإيذاء للآخرين.
لقد أدركت أنه يتعين عليّنا أن نعمل جاهدين من أجل
التغيير، فلا يستطيع أحداً أن يقدم حلولاً جاهزة لحياتنا العلمية والعملية الملبدة
بالغيوم، وعليك عزيزي المتخصص أن تقوم بدورك من أجل العلم والعمل والضمير الأخلاقي
والمهني .. قد نُخطئ وقد نُصيب، ولكن بكلاً من الخطأ والصواب نحن نضع لبنة نحو تصحيح
الأوضاع المقلوبة.
مع أرق تحياتي
0 التعليقات:
إرسال تعليق