.

.

د. قدري حفني يكتب : إلى فضيلة الإمام الأكبر

 إلى فضيلة الإمام الأكبر
سيدى الإمام الأكبر..
العبد الفقير إلى ربه تعالى ولد مسلما فى كنف أسرة مسلمة، شهادة ميلادى التى أصدرتها وزارة الصحة المصرية حملت توصيفى مسلما قبل أن أنطق حرفا أو أعى شيئا، وتكرر ذلك التوصيف ببلوغى الثامنة عشرة وإصدار وزارة الداخلية المصرية رقما قوميا يحمل اسمى وديانتي.
ظللت هكذا سيدى الإمام سنوات عديدة مسلما بحكم العادة والميلاد، وحين نضج وعيى وأصبحت قادرا –أو هكذا ظننت- على التمييز بين العقائد والديانات المختلفة اخترت الإسلام دينا، وأحسست وقتها باتساع الهوة بين الإسلام الذى اخترته وممارسات العديد من المسلمين الذين يحملون راياته، وأصبح يحز فى نفسى باعتبارى مسلما حين أسمع الصيحات تتعالى بالربط بين الإسلام والإرهاب، وكنت أتمنى أن أجد مساحة فى عقلى تسمح بفصل قاطع بين الإسلام والإرهاب باعتبار ذلك الربط مجرد مؤامرة خبيثة محكمة أعدها أعداء الإسلام، ولكنى بصراحة أجد تعنتا فى التماس تلك المساحة. الإسلام عقيدة، وشأنها شأن غيرها من العقائد، لا ترى مجسدة إلا فى سلوك وأفعال وممارسات معتنقيها التى تجسد أفكارهم. ولعلى لا أبالغ إذا قلت إن خجلى يسبق فزعى حين أرى الجلادين القتلة يعلنون انتماءهم تحديدا للسنة التى نعتبر أزهرنا الشريف منارتها الشامخة، وهم يكبرون باسم الله قبل ذبح ضحاياهم، وتحمل راياتهم السوداء كلمات الشهادتين.
إن تأكيد أن الإسلام يحرم القتل والتعذيب لم يعد كافيا، وكذلك فإن محاولات الفصل بين العقيدة ومعتنقيها لم تعد تجدى كثيرا إذا ما وقفت عند حدود غمغمات لا تبين ولا تحمل ردودا قاطعة على المنطلقات الفكرية المتخلفة لأولئك الذين يزعمون انتماءهم للإسلام ويرفعون راياته. وإنى لأعرف أن تلك الردود القاطعة ليست بالأمر السهل، خاصة أن البشاعة لا تقتصر على الذبح وقطع الرؤوس، بل لعل ذلك مجرد قمة جبل الثلج الظاهرة التى ترتكز على ركام هائل من الأفكار المعادية للتحضر كما نعرفه فى عالم اليوم.
هل يمكن مثلا أن يعلن الأزهر رسميا وبشكل قاطع وواضح - كما قلتها فضيلتكم فى لقائكم مع بابا الفاتيكان- أنه لا يوجد نص فى القرآن الكريم ولا فى السنة المطهرة يحدد عقوبة دنيوية للمرتد؟ صحيح أن فضيلتكم قد قلتها، ولكنى لم أسمع أحدا يرددها على منابر مساجدنا، فضلا عن أن يجعلها موضوعا لخطبة الجمعة مثلا، بل لعلى كثيرا ما أسمع العكس.
هل يمكن مثلا أن يعلن الأزهر رسميا وبشكل قاطع واضح وأن يدعو خطباء المساجد ودعاة القنوات التليفزيونية إلى تأكيد وتكرار أن من يتمسك بالإسلام ترهيبا لمجرد خوفه من عقاب دنيوى لا يضيف إلى الإسلام ولا إلى المسلمين قوة يضيفها من يتمسك بالإسلام اختيارا واقتناعا ويقينا؟
هل يمكن مثلا أن يعلن الأزهر رسميا وبشكل قاطع واضح وأن يدعو خطباء المساجد ودعاة القنوات التليفزيونية إلى تأكيد وتكرار أن أداء العمرة ليس من أركان الدين، وأنه إذا كنا نعانى من عجز رهيب فى العملات الأجنبية؛ فإن الأزهر يدعو الحكومة إلى تنظيم رحلات العمرة وأيضا تنظيم الرحلات السياحية للخارج بما يحفظ لنا ما تبقى من قدرة اقتصادية؟
هل يمكن مثلا أن يعلن الأزهر رسميا وبشكل قاطع وأن يدعو خطباء المساجد ودعاة القنوات التليفزيونية لتأكيد وتكرار أنه لا شأن مطلقا لآحاد المسلمين بالتصدى لبناء دور عبادة غير المسلمين، وأن المسلم الحق لا تجرح مشاعره رؤية صليب أو سماع قداس، وأن ما ينبغى أن يهز كيانه فعلا رؤية قوم يرتكبون المذابح ويرفعون شعارات إسلامية؟ هل يمكن مثلا أن يعلن الأزهر رسميا وبشكل قاطع وأن يدعو خطباء المساجد ودعاة القنوات التليفزيونية لتأكيد وتكرار أن جلجلة مكبرات الصوت لا تعنى علو صوت الإسلام، وأن الإسلام لا يعلو بطول المآذن ولا بمكبرات الصوت، بل بتقديم القدوة باعتباره دين الرحمة فيترأف بالبشر الذين يضرهم الضجيج، خاصة أن العلم الحديث يحدد درجة معينة للذبذبات الصوتية يصبح تجاوزها ضارا للجهاز السمعي؟
هل يمكن مثلا أن يعلن الأزهر رسميا وبشكل قاطع واضح، وأن يدعو خطباء المساجد ودعاة القنوات التليفزيونية إلى تأكيد وتكرار أن الاستفادة من أجساد الموتى لصالح الأحياء أمر جائز ومطلوب شرعا سواء بتشريح الجثث أو بنقل الأعضاء، وأن شيئا من ذلك لا يقلل من احترام المتوفى؟ هل يمكن مثلا أن يعلن الأزهر رسميا وبشكل قاطع واضح وأن يدعو خطباء المساجد ودعاة القنوات التليفزيونية إلى تأكيد وتكرار أن من غش فليس منا، وأن من يغش فى الامتحانات الدراسية ومن يشجع أبناءه على ذلك يخرج على أصول الإسلام؟ هل يمكن مثلا أن يعلن الأزهر رسميا وبشكل قاطع واضح وأن يدعو خطباء المساجد ودعاة القنوات التليفزيونية إلى تأكيد وتكرار أن الدعاء بالشفاء والصحة والسعادة ورفع الظلم وتفريج الكرب لو شمل عباد الله جميعا لا ينقص من نصيب المسلمين شيئا من ذلك كله، وأن تخصيص الدعاء للمسلمين وحدهم لا يعنى أننا نتمنى لغيرهم الحرمان من رحمته تعالي؟ هل يمكن مثلا أن يعلن الأزهر رسميا وبشكل قاطع واضح وأن يدعو خطباء المساجد ودعاة القنوات التليفزيونية إلى تأكيد وتكرار ما تؤكده العلوم الاجتماعية خاصة علم النفس السياسى من أن من يحسون بهشاشة عقيدتهم هم الذين تستفزهم شبهة إهانة العقيدة، ويتخوفون من اعتبار التسامح ضعفا، فى حين أن التدين المطمئن يرسخ لدى أصحابه أن عقيدته لا تهتز بل تزداد رسوخا بتسامحهم وسعة صدرهم.
فضيلة الإمام الأكبر لعلى لم أتجاوز حدودي.
نقلاً عن البوابة نيوز
شاركه على جوجل بلس

عن جريدة النداء المصرية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق