يردد المؤرخون المغرضون مصطلحات هى فى الأساس مزاعم مثل "حرب التحرير"، و"حرب الاسترداد"، وذلك على الحروب التى جرت فى الأندلس على مدار ثمانمائة عام بين الإسلام والنصرانية، وانتهت بخروج الإسلام والمسلمين من الأندلس على نحو مهين، بعد حضارة ازدهرت وأشرقت بنورها فى كل مكان، والحقيقة أن هذه الحروب كانت صليبية إجرامية غذتها الباباوية الحاقدة فى روما، وجيشت لها لها الجيوش من كل مكان فى أوربا، ووعدتهم الوعود بالكاذبة مثل صكوك الغفران، وصورت المسلمين على أنهم برابرة وشياطين وأعداء للرب.
والواقع الذى أثبت بالدليل الدامغ أن الذين احتلوا الأندلس هم عصابات من القوط أحفاد الملك الطاغية "لذريق" الذين فروا إلى الشمال، وكونوا ممالك، واستغلوا ضعف المسلمين والحكام فى الأندلس واحتلوا البلدة تلو البلدة بمساعدة البابوية الحاقدة فى روما وكل ممالك أرض الظلمات والهمج (أوربا) – كما سبق أن بينا- ومع الأيام وبمساعدة ملوك الطوائف وبعض المولدين والمستعربين انقضوا على الإسلام فى الأندلس الذى أسلم معظم شعبه عن قناعة، وبعد الاسترداد المزعوم أجبروا على التنصير بقوة السيف ومن امتنع منهم تعرض للتعذيب والقتل والإجرام، ويكفى الصليبيين عاراً إنشائهم لمحاكم التفتيش (ديوان التحقيق)..التى أنشئت لاستصئال الإسلام، وهذه المحاكم المجرمة التى حصدت 3 ملايين مسلم غير الذين هلكوا فى عرض البحر عندما فروا بدينهم إلى المغرب ودول الشمال الأفريقى..بل تعرض المتنصرون الذين فضلوا البقاء للطرد بعد مائة عام وتحولت المساجد إلى كنائس وتم حرق ملايين المجلدات فى ميدان غرناطة.
وقد قامت الخيانة بدورها فى سقوط غرناطة فكان بلاط أبوعبدالله محمد الثانى عشر، آخر حكام بنى نصر، جله من المتآمرين الذين كانوا يراسلون الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيلا، وقد أقنعوه طوال فترة الحصار بعدم جدوى المقاومة، وبعد سقوط غرناطة ارتد عدد من أمراء بلاط بنى الأحمر ووزائه وأعيانه عن دين الله وتملّقوا الحكام القشتاليين، فاعتنق المسيحية طواعية (حتى قبل فرض التنصر الإجباري بسنين) الأميران سعد ونصر أبناء السلطان أبي الحسن، كما رجعت أمهما "ثريا" الملعونة إلى دينها النصراني فأصبحت تعرف بإليزابيث دي سوليس، وأصبح ابنها يعرف بالدوق "فرناندو دي غرناطة" وأصبح أحد كبار قادة جيش قشتالة وأخوه بالدوق "دون خوان دي غرناطة" ،وتنصّر الأمير يحيى النيار قائد ألمرية وابن عم أبي عبد الله الزغل (حاكم غرناطة الذي اصطدم مع ابن أخيه أبو عبد الله الصغير) فأصبح يسمى بـ "دون بيدرو دي غرناطة" وتنصَّرت زوجته. كما تنصَّر كل آل بنغيش وفيهم الوزير أبو القاسم بن رضوان بنغيش، وكان من نسله “دون ألونسو دي غرناطة بنغيش” أحد نبلاء العرش الإسباني وحاكم لجنَّة العريف بغرناطة ساهم بنفسه في قمع ثورة البشرات سنة 1568م، وتنصَّر الوزير بن كماشة (وزير أبو عبد الله الذي لازمه حتى الرحيل) وأصبح راهباً! وكثير من الوجهاء والتجار الذين فضَّلوا الانتكاس على المواجهة أو الرحيل.
يجب أن نقف طويلا أمام نموذج الأندلس حتى لا يتكرر مرة أخرى ولو أنه على مدار 500عام تكرر فى بلدان أخرى، وقد استخدم العدو نفس السيناريو فى إنجاح خططه ومازال يستخدمها عبر القرون والمسلمون يلدغون من الجحر الواحد مرات ومرات.. ومنها إشعال الفتن والقلاقل والنزاعات فى البلاد التى يريدون السيطرة عليها، ثم صنع الأزمات الاجتماعية والإقتصادية ثم يفرض حصاره القاتل وبالتالى يجعل الناس تستسلم بعدما يعدهم بالوعود البراقة، ثم يتراجع عن هذه الوعود والمعاهدات، وبعدها يعمل فيهم السيف والقتل والحرق ومصادرة أملاكهم وتفتيتها ...هكذا فعل فى الأندلس فى كل مدينة سيطر عليها، فى طليطلة وبلنسية وقرطبة وإشبلية .... ثم كانت خاتمة المطاف فى غرناطة التى سقطت يوم 2يناير 1492م، ثم تعرض الإسلام لمحنة المحن بعد ذلك. سواء من محاكم التفتيش التى حاكمت قلوب الناس وفرضت التنصير القصرى فى كل مكان وتعرض المتنصرين الجدد (الذين أطلق عليهم المورسكيين كنوع من التحقير) لكافة أنواع التمييز حتى صدر قرار بطردهم بعد أكثر من مائة عام من سقوط غرناطة.
وهناك سؤالاً يشغل بال الكثرة من المسلمين: لماذا انتهى الإسلام من بلاد الأندلس؟ فعدد المسلمين فى بلاد الأندلس أسبانيا والبرتغال لا يتجاوز 100ألف مسلم علماً بأن إحدى مدن أمريكا وهى مدينة دالاس بها أكثر من هذا العدد رغم أن المسلمين مكثوا فى الأندلس ثمانية قرون، ومن هنا كان هذا السؤال: لماذا انتهى الإسلام من بلاد الأندلس بالكلية كأفراد وشعوب ولم ينته من البلاد الأخرى والتى استعمرت استعماراً صليبياً طال أمده فى بعض الدول كالجزائر مثلاً التى احتلت 132سنة ومصر التى احتلت 70سنة وفلسطين احتلت مائتى سنة فى زمن الصليبين، وغيرها من الدول الإسلامية التى غلبت على أمرها ورغم ذلك لم يندثر المسلمون، ويجيب عن هذا السؤال الدكتور راغب السرجانى فى كتابه الموسوعى "قصة الأندلس" فقال : "وللإجابة على هذا السؤال للنظر أولاً ما كان يفعله الاستعمار الأسبانى فى بلاد الأندلس، فقد كان هذا الاستعمار استعماراً
استيطانياً إحلالياً، ومن أن يدخلوا بلداً إلا قتلوا كل من فيه من المسلمين فى حرب إبادة جماعية، أو يطردونهم أو يهجرونهم إلى خارج البلد، ثم يهجرون إليها من النصارى من أماكن مختلفة من الأندلس وفرنسا من يحل ويعيش فى هذه المدن وتلك الأماكن التى خلفها المسلمون، وبذلك لم يعد يبقى فى البلاد مسلمون. وحكم البلاد وعاش فيها نصارى وأبناء نصارى، على عكس ما كان يحدث فى البلاد الأخرى مثل مصر والجزائر وليبيا وسوريا وغيرها، فإن الاحتلال فى هذه البلاد كان بالجيوش لا بالشعوب واحتلال الجيوش ولاشك مصيره إلى زوال. وإن مثل هذا ليضع أيدينا على شىء فى غاية الأهمية؛ ذلك أن الاحتلال الاستيطانى هذا الذى حدث فى بلاد الأندلس لم يتكرر فى أى من بلاد العالم غلا فى مكان واحد فقط، وهو أيضاً يخص المسلمين وهو فلسطين".
الباحث أبو الحسن الجمال |
0 التعليقات:
إرسال تعليق