عرض
كتاب
الحرية
أو الطوفان: دراسة موضوعية للخطاب السياسي الإسلامي ومراحله التاريخية
(مقال منشور بمجلة عالم الكتاب عدد فبراير 2017)
يحاول هذا الكتاب من
خلال فصوله الخمسة وعبر صفحاته البالغة 373 أن يقدم رؤية نقدية، تحليلية، موضوعية للخطاب السياسي الإسلامي ومراحله التاريخية، ومحتواه
الرئيسي يدور حول طبيعة النظام السياسي الإسلامي وأصوله وقواعده وأحكامه من خلال القرآن والسنة ، وعن طبيعة كل مرحلة وأبرز سماتها، وهو يعتبر الخطاب
السياسي الإسلامي منظومة من الأحكام والقواعد التي يقوم عليها نظام الحكم في
الدولة الإسلامية. والكتاب في جملته يقدم إجابة عن أسئلة كثيرة طالما أرقت العقل
المسلم، ودار حولها الجدل بين المثقفين والمفكرين السياسيين من قبيل ما طبيعة
الدولة الإسلامية؟ وهل للإسلام نظام سياسي واضح المعالم؟ وهل بالإمكان بعث هذا
النظام من جديد؟ وهل نحن في حاجة إليه؟ وما العلاقة بين المجتمع والدولة؟ وما مدى
تدخلها في شئون المجتمع؟ وما الحقوق السياسية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية؟ وكيف
تراجع الخطاب السياسي الإسلامي؟ وما أسباب تراجعه؟ وما علاقة الفقه السياسي
بالواقع؟ وما أثر هذا الفقه على ثقافة المجتمع؟ وكيف بدأ الإسلام دينًا يدعو إلى
تحرير الإنسان من العبودية والخضوع لغير الله - عز وجل - إلى دين يوجب على أتباعه
الخضوع للرؤساء والعلماء مهما انحرفوا وبدلوا؛ بدعوى طاعة أولي الأمر؟ ولِمَ لمْ
يعد علماء الإسلام ودعاته اليوم يهتمون بحقوق الإنسان وحريته والعدالة الاجتماعية
والمساواة… إلخ، وهي المبادئ التي طالما دعا إليها النبي وهو في مكة، وأكدها في
المدينة، وهي التي أدت إلى سرعة انتشار الإسلام في العالم كله؛ إذ رأت الأمم أنه
دين العدل والمساواة والحرية والرحمة؛ كما قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين"؟ كيف تم اختزال مفهوم الشريعة لتصبح السياسة الشرعية، وحقوق
الإنسان، والحريات، والعدالة الاجتماعية، والمساواة؛ كل ذلك لا علاقة له بالشريعة
التي يراد تطبيقها والدين الذي يدعى الناس إليه اليوم؟ وما حقيقة الدعوة النبوية
والدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إذًا إذا لم يُدْعَ الناس إلى هذه
المبادئ التي هي من معاني كلمة (لا إله إلا الله)، فلا إله يستحق الخضوع والطاعة
والخوف والرهبة والرغبة سوى الله، وما سواه فبشر كلهم إخوة من أم وأب، فلا طاعة
ولا تعظيم ولا خوف من مخلوق مهما علا قدره وعظم شأنه؛ إذ الجميع عبيد الله وأحرار
مع من سواه؟ وكيف تم تفريغ الإسلام من مضمونه، فصار الدعاة إليه اليوم يدعون الناس
إلى دين لا قيمة فيه للإنسان وحريته وكرامته وحقوقه، إلى دين لا يدعو إلى العدالة
الاجتماعية والمساواة والحرية، بل يرفض تغيير الواقع ويدعو إلى ترسيخه بدعوى طاعة
ولي الأمر؟ وكيف ندعو شعوب العالم الحر الذي تساوى فيها الحاكم والمحكوم حيث الشعب
يحاسب رؤساءه، وينتقدهم علانية ويعزلهم بطرح الثقة منهم، ولا يستطيع الحاكم سجن
أحد أو مصادرة حريته أو تعذيبه؛ إذ الحاكم وكيل عن المحكوم الذي يحق له عزله؛ إلى
دين يدعو أتباعه اليوم إلى الخضوع للحاكم وعدم نقده علانية، وعدم التصدي لجوره،
والصبر على ذلك مهما بلغ فساده وظلمه؛ إذ طاعته من طاعة الله ورسوله؟.
ولقد عرض المؤلف في الفصل الأول لمرحلة الخطاب السياسي الشرعي المنزل على
النبي صلى الله عليه وسلم وحددها المؤلف في الفترة من العام الأول للهجرة إلى 73
هـ. وتبدأ هذه الفترة أيضا من قيام الدولة الإسلاميَّة في المدينة بعد هجرة النبي
إليها، إلى وفاة آخر خليفة صحابي هو عبد الله بن الزُّبير سنة 73هـ، وتعتبر أهم
ملامح ومبادئ هذه المرحلة: ضرورة الدولة للدين، وأنه لا دين بلا دولة، وضرورة
إقامة السلطة وأنه لا دولة بلا إمام ، وضرورة عقد البيعة، فلا إمامة بلا عقد، وأنه
لا عقد بيعة إلا برضا الأمة واختيارها، ولا رضا بلا شورى بين المسلمين في أمر
الإمامة، وأنه لا شورى بلا حرية، وأن الحاكمية والطاعة المطلقة لله ورسوله([2])، وتحقيق مبدأي العدل
والمساواة، وحماية الحقوق والحريات الإنسانية الفردية والجماعية وصيانتها.
وذكر المؤلف أيضا في الفصل الثاني مرحلة
الخطاب السياسي الشرعي المؤول وحدد فترته من عام 73 هـ إلى عام 1350 هـ تقريبا، واعتبر أن أهم ملامح هذه المرحلة هي: مصادرة حق
الأمة في اختيار الإمام وتحول الحكم من شورى إلى وراثة وتضمن أسباب قتال الصحابة
من أجل الشورى وينحصر في أربعة أسباب كما لاحظها وهي: الدفاع عن حقهم الذي جعل الله
لهم، وأن اغتصاب الحكم منكر وظلم تجب إزالته، والتمسك بالسنة وهدي الخلفاء
الراشدين، وإدراكهم أن دخول الخلل في موضوع الإمامة سيفضي إلى دخول الخلل في جميع
شئون الحياة.
كما
عرض لمذاهب العلماء في اشتراط الإجماع على عقد البيعة وهي : مصادرة حق الأمة في
المشاركة والشورى، وغياب دور الأمة في الرقابة على بيت المال، وتراجع دور الأمة في
مواجهة الظلم والانحراف. وتضمن مذاهب العلماء في الخروج على السلطان الجائر أي
مذهب فسخ عقد الإمامة بالجور. كما ناقش المؤلف الأسباب التي أدت إلى شيوع الخطاب
المؤول وهي : نظرة أصحاب هذا الخطاب إلى حوادث التاريخ نظرة جزئية، وخلطهم بين
مفهوم الخروج السياسي ومفهوم الخروج العقائدي، وشيوع أحاديث الفتن دون فهم لمعناها
الصحيح، وشيوع الروح الفردية بسبب الفهم الخاطئ لأحاديث اعتزال الفتن، وشيوع روح
الجبر من جهة والإرجاء من جهة أخرى، والغلو في تعظيم طاعة السلطان.
وناقش أيضا
في هذا الفصل مسائل الخلاف في صفة تصرف الإمام على الأمة ، وظاهرة المستبد العادل
في هذه المرحلة، وواجبات الإمام في الإسلام، وواجبات الأمير في الإسلام ، ومقاصد
نصب الإمام، وتقييد تصرفات الإمام ، والضمانات العدلية في هذه المرحلة.
كما
ذهب الدكتور المطيري في الفصل الثالث إلى تحليل ما أطلق عليه " الخطاب
السياسي الشرعي المبدل" وقد حدده في الفترة من عام 1350 هـ إلى الوقت الراهن.
وناقش تلك الحركات ومنها: حركة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، وحركة جمال الدين
الإصلاحية، وإسقاط الخلافة وفصل الإسلام عن الدولة، وعلي عبد الرازق وكتابه نظام
الحكم في الإسلام([3]).
وأهم ملامح هذا الخطاب هي: إثبات عدم شرعية الخلافة، وإثبات مشروعية التحاكم إلى
القوانين الوضعية، وإثبات عدم مشروعية الجهاد في الإسلام المتمثل في رد شيخ
الإسلام مصطفى صبري على علي عبد الرازق والتضاد معه بتصدي العلامة أحمد شاكر
للخطاب المبدل وتصدي سيد قطب للخطاب المبدل.
ثم ختم حاكم المطيري الكتاب بقوله: "وإنه
من دون الشك لن تصل الأمة إلى برد اليقين، ونعيم الحرية، بل ستظل ترسف في أغلال
الوهم وجحيم العبودية، وليس أمامها للخروج من هذا التيه سوى الثورة أو الطوفان".
[1] - حاكم المطيري: الحرية أوالطوفان "دراسة موضوعية للخطاب السياسي الإسلامي ومراحله التاريخية ". المؤسسة العربية للدراسات والنشر.الكويت. 2004. وأول ما يلفتنا تلك الصيغة التي جاءت في العنوان وقد حذف
منها أداة التخيير "إما" ..أو.. فالأصل في الجملة هو "إما الحرية
أو الطوفان"، ولعل هذه الصيغة ليست جديدة في تراثنا الفكري الحديث فقد كتب
المفكر المصري خالد محمد خالد كتابه المهم "هذا أو الطوفان"،
الذي أراد به أيضا قيام تعديل في طريقة تقديم الإسلام للناس مؤكدا على ضرورة
التربية الرشيدة وتنمية الأخلاق داخل نفوس الناشئة. (خالد محمد خالد . هذا أو
الطوفان. القاهرة .الأنجلو المصرية . 1953).
[2] - فكرة الحاكمية بهذا المستوى من الفهم مع زيادة التشدد، والغلو في منح
السياسة المقام الأول في الإسلام هي نفسها
التي جاءت بكتاب سيد قطب : معالم في الطريق . مكتبة الشروق . 1988. والتي
نقلها عن أبي الأعلى المودودي ولقد انتقد وحيد الدين خان هذا المنحى المتعلق
بالخلافة والسياسة في الإسلام لدى المودودي في كتابة "التفسير السياسي
للدين "ملخص التفسيرالخاطئ" .دار الرسالة الرانية. الطبعة الأولى .
القاهرة. 1991.
[3] - نظن أن أول من ناقش قضية الخلافة مبينا عدم استمرارها في الحكم على
المستوى السياسي بل وقال "ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلا اسمها وصار الأمر
ملكا بحتا"، كان على عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم: بحث
في الخلافة والحكومة في الإسلام ". الطبعة الثالثة . 1925. القاهرة.
مطبعة مصر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق