ذهب أحمد لمنزل الطبيب وهو مُحْجِمٌ علي الذهاب ولم يكن
يعتاد من قبل مثل هذه الاجتماعيات الزائدة، ثم ما لبث أن طرق الباب ، ففتحت ابنة
الطبيب والذي تعلقت عيناه بها منذ أن دخل ، شعرها مسترسل كستنائي ،وعينان زرقاوان
، وأنفٌ طويلٌ دقيقٌ في أرنبته ، وذقن صغيرة ، وجه كأنه البدر في صفحة سماء معتمة
ينير كل ما حوله ،
ثم القي عليها التحية قائلا:
صباح الخير
صباح الخير ... تفضل فأبي ينتظرك من السادسة
ثم أردف قائلا مُدعيا خجله مطأطأ وجه إلي الأرض أسف علي
التأخير .ثم سارت إلي جواره يستبصر بها الطريق ، إذا سبقته بخطوة رفع عينيه لينظر
اليها في لهفة وشوق ، ثم إذا عادت تنظر اليه تستحثه السير نظر إلي الأرض ، وتكررت
مرات ومرات ، حتي أدركت بريق عينيه ولعابه الذي يسيل كلما خطت أمامه ، حتي نظر مرة
أخري إلي الأرض ضحكت وعلا صوتها ، تميل رأسها الي الوراء مقهقهة ، ثم وقف فوقفت ، فسألها:
علي ما تضحكين ؟ سألها وهو يدرك لماذا تضحك ، وكأنها
تسخر من براءته المزعومة وخجله المصطنع ، ثم قالت له :
لعلك لا تدري لماذا أضحك !!
ثم حاول يستنكر قائلا : لا أدري ..
فسارت ولم تعقب وهي تضحك ، ثم تنظر اليه مبتسمة ، أثارت
ضحكتها فضوله وأثارت شكوكه ، هل رأته وهو ينظر إليها ؟ ثم سار وكأنه يريد أن
يتدارك الأمر ،
فيسأل : أين الدكتور ؟
فترد قائلة: في مكتبه
سار ورائها وهو ينظر في الأرض خجلا ، هذه المرة خجلا
حقيقيا من نفسه فقد أدرك أنها تعرفت إلي باطنه ولم تنخدع بظاهره الخادع . هنالك
قرر أن يجري اللقاء مع الرجل ثم يرحل ولا يُعقّب .. فتحت باب المكتب فدخل وسلم علي
الطبيب الذي كان في انتظاره ودخلت وراءه ثم أشار اليها أن تحضر الشاي .. فخرجت
وبدأ حديثه مع الطبيب يتحدث اليه وذهنه شارد في فاتنته التي تركت الباب موصدا
أمامه لم يدر هل أدركت تعلقه بها أم أن الأمر لم يشغل بالها أصلا .. ثم قطعت
حديثهما تنادي علي أبيها من خارج المكتب ، فاستأذن الرجل وخرج لملاقاة ابنته وطال
بقاءه خارج المكتب وهو ينظر في ساعته وقد استبد به القلق ، هل تحكي له مادار
بينهما من حديث ؟ هل حدثته عن نظراته لها ؟ ماذا سيكون موقفه إن علم بما دار
بينهما ؟ وما موقفه إن قالت إنه كان ينظر اليها في لهفة وشوق ؟ وماذا سيفعل إن علم
بتصرفاته المريبة ؟ إنتابه القلق وغير من جلسته أكثر من مرة ، ثم وقف ، ثم جلس حين
أحس بخطوات الطبيب في طريقه للمكتب ، ودخل الطبيب وهو ينظر اليه منتظرا رد فعله ،
غير أن الرجل أكمل حواره في ابتسامة رقيقة لم يقل شيئا ، أجمع خلالها قواه لينهي
حديثه ويسير في إتجاه الباب فيجدها في انتظاره أيضا تصطحبه إلي البوابة لا يتكلم
هو ولا تنطق هي بكلمة ثم عند بوابة المنزل تصافحه وتودعه وابتسامتها تملاء وجهها ،
ثم يبتسم أيضا ويعلو ضحكهما ثم يمشي ، وهو يقلب كفيه متعجبا هل وصل لها احساسه ،
هل رضيت عما فعل ؟ هل بادلته إعجابا بإعجاب ؟ هل يعود من جديد ؟ يسير ويلتفت وهي
واقفة تنظر اليه حتي غاب عن الأعين ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق