وعرف يوسف السباعي بعد أن
أصبح كاتباً شهيراً أن والده كان أعظم من ترجم مسرحيات شكسبير ، كما أنه ترجم
رباعيات الخيام شعراً .
وأعتقد أن محمد السباعي كان يريد لولده مهنة أخرى غير مهنة الأدب ، بسبب المصائب التي كانت تتعرض لها المهنة على أيامه ، وهي مصائب مازال يتعرض لها الأدب الجاد الملتزم في بلادنا حتى أيامنا هذه .
وعليه فقد حاول يوسف السباعي خلال فترات تألقه ونجاحه أن يسترد للأدباء قيمتهم المهدرة في المجتمع ، فغني عن البيان أن الضياع وفقدان الذات في الحياة الأدبية من أسباب هبوط الأدب وانحداره ، ولعل ذلك ما دفع يوسف السباعي إلى محاولة إعادة الأدب لمكانته الحقيقية كمنارة للوعي والاستنارة .
الشعراء والأدباء الضائعون المهجورون ، حاول يوسف السباعي أن يعيدهم إلى مكانهم الطبيعي في طريق الإبداع ، الأدباء الذين تاهوا وفقدوا طريقهم ، حاول يوسف السباعي أن يساعدهم ويمد لهم يد العون ويردهم إلى طريق الحياة ، وأيضاً الشباب الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل قدم لهم يده ، وقال لهم إنني معكم إلى الأمام .
ولكن ، وبكل أسف فقد عض البعض اليد التي امتدت إليه ، وانقلب على يوسف السباعي شاتماً مهاجماً ، ومازال نفر منهم يفعل ذلك إلى يومنا هذا بعيداً عن الموضوعية في النقد الأدبي ، أو الأمانة في التأريخ للشخوص والأحداث .
ولكن ليس هذا موضوعنا ، فكم في حياتنا الأدبية من المضحكات المبكيات ، وكم فيها من العجائب والمستغربات .. أقول لكم : إن قيمة يوسف السباعي في الأدب الحديث ليست في هذه الأعمال الإنسانية والخيرية التي يعرفها أهل الفكر والأدب ، ولكنها في أعماله ككاتب ومؤلف ، ولن يتأتى تحديد قيمة الإبداع إلا بالدرس والتمحيص وفق منهج علمي سليم .
لقد بدأ يوسف السباعي حياته الأدبية هاوياً ، ولم يكن محترفاً للأدب ، ثم انطلق بسرعة مكوك الفضاء عندما ألف روايته الأولى (أرض النفاق) ، فالتفتت إليه الأنظار ، بسبب فكرته التي قامت على تصوير المجتمع المصري خلال فترة الخمسينات من القرن العشرين ، ولكنه بعد ذلك ألف عدة روايات ترتبط بالحياة الاجتماعية والسياسية في مصر ، كتب لها المجد السينمائي ، ولم يكتب لها المجد الأدبي ، لأنه خلال رحلته الأدبية لم يتعلم الدرس الذي لقنه له والده الأديب المترجم / محمد السباعي ، و هو أن الأدب فكر وفن ولغة وأسلوب ، و هكذا قال له طه حسين ..
يوسف السباعي مؤلف الروايات كان له فكر ، ولكنه لم يملك الأسلوب ، ولم يملك اللغة .. ثم امتلك شاشة السينما بلا لغة .
ولست أدري ماذا سيحدث لأدب يوسف السباعي بعد جيل واحد من الجيل الذي يعيش الآن ؟ ، هل يبقى أم يضيع ؟ .
الجواب على هذا السؤال ليس ملك لهذا الجيل ، ولكنه ملك لأجيال قادمة ، لقد قال المازني أنه يكتب لجيله ، ولا يزعم أو يدعي أنه يكتب لأجيال قادمة ، وكل جيل يكتب بلغته وأسلوبه وطريقته ، وليس من المقبول أن يكتب أي جيل للجيل القادم ، أو يجيء من يقول أنني غير مفهوم في هذا الجيل ، وسوف تفهمني الأجيال القادمة !!!
على كل حال ستظل قضية اللغة هي أعقد مشكلات الكتابة ، لأن كل الأجيال لها أفكارها الخاصة بها ، ولكنها تختلف لغاتها ، أو فلنقل طرائق تعبيرها .
ويأتي السؤال : متى تصبح لنا لغة واحدة نكتب بها ، كما نتحدث بها ؟ ـ هل هذه هي مشكلة الأدب العربي الحديث .. أن نجد له لغة واحدة جديدة ؟ ـ هل مات أسلوب الجاحظ ، وطه حسين ، والعقاد .. وغيرهم ..؟ ، ولكن أفكارهم لم تمت ، ولن تموت ، والسبب في ذلك أنهم كانوا يملكون اللغة ، وكانوا يفهمون أسرارها ، أي أن اللغة لا تملكهم ، وهذا ما ردده طه حسين دائماً.
وأعتقد أن محمد السباعي كان يريد لولده مهنة أخرى غير مهنة الأدب ، بسبب المصائب التي كانت تتعرض لها المهنة على أيامه ، وهي مصائب مازال يتعرض لها الأدب الجاد الملتزم في بلادنا حتى أيامنا هذه .
وعليه فقد حاول يوسف السباعي خلال فترات تألقه ونجاحه أن يسترد للأدباء قيمتهم المهدرة في المجتمع ، فغني عن البيان أن الضياع وفقدان الذات في الحياة الأدبية من أسباب هبوط الأدب وانحداره ، ولعل ذلك ما دفع يوسف السباعي إلى محاولة إعادة الأدب لمكانته الحقيقية كمنارة للوعي والاستنارة .
الشعراء والأدباء الضائعون المهجورون ، حاول يوسف السباعي أن يعيدهم إلى مكانهم الطبيعي في طريق الإبداع ، الأدباء الذين تاهوا وفقدوا طريقهم ، حاول يوسف السباعي أن يساعدهم ويمد لهم يد العون ويردهم إلى طريق الحياة ، وأيضاً الشباب الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل قدم لهم يده ، وقال لهم إنني معكم إلى الأمام .
ولكن ، وبكل أسف فقد عض البعض اليد التي امتدت إليه ، وانقلب على يوسف السباعي شاتماً مهاجماً ، ومازال نفر منهم يفعل ذلك إلى يومنا هذا بعيداً عن الموضوعية في النقد الأدبي ، أو الأمانة في التأريخ للشخوص والأحداث .
ولكن ليس هذا موضوعنا ، فكم في حياتنا الأدبية من المضحكات المبكيات ، وكم فيها من العجائب والمستغربات .. أقول لكم : إن قيمة يوسف السباعي في الأدب الحديث ليست في هذه الأعمال الإنسانية والخيرية التي يعرفها أهل الفكر والأدب ، ولكنها في أعماله ككاتب ومؤلف ، ولن يتأتى تحديد قيمة الإبداع إلا بالدرس والتمحيص وفق منهج علمي سليم .
لقد بدأ يوسف السباعي حياته الأدبية هاوياً ، ولم يكن محترفاً للأدب ، ثم انطلق بسرعة مكوك الفضاء عندما ألف روايته الأولى (أرض النفاق) ، فالتفتت إليه الأنظار ، بسبب فكرته التي قامت على تصوير المجتمع المصري خلال فترة الخمسينات من القرن العشرين ، ولكنه بعد ذلك ألف عدة روايات ترتبط بالحياة الاجتماعية والسياسية في مصر ، كتب لها المجد السينمائي ، ولم يكتب لها المجد الأدبي ، لأنه خلال رحلته الأدبية لم يتعلم الدرس الذي لقنه له والده الأديب المترجم / محمد السباعي ، و هو أن الأدب فكر وفن ولغة وأسلوب ، و هكذا قال له طه حسين ..
يوسف السباعي مؤلف الروايات كان له فكر ، ولكنه لم يملك الأسلوب ، ولم يملك اللغة .. ثم امتلك شاشة السينما بلا لغة .
ولست أدري ماذا سيحدث لأدب يوسف السباعي بعد جيل واحد من الجيل الذي يعيش الآن ؟ ، هل يبقى أم يضيع ؟ .
الجواب على هذا السؤال ليس ملك لهذا الجيل ، ولكنه ملك لأجيال قادمة ، لقد قال المازني أنه يكتب لجيله ، ولا يزعم أو يدعي أنه يكتب لأجيال قادمة ، وكل جيل يكتب بلغته وأسلوبه وطريقته ، وليس من المقبول أن يكتب أي جيل للجيل القادم ، أو يجيء من يقول أنني غير مفهوم في هذا الجيل ، وسوف تفهمني الأجيال القادمة !!!
على كل حال ستظل قضية اللغة هي أعقد مشكلات الكتابة ، لأن كل الأجيال لها أفكارها الخاصة بها ، ولكنها تختلف لغاتها ، أو فلنقل طرائق تعبيرها .
ويأتي السؤال : متى تصبح لنا لغة واحدة نكتب بها ، كما نتحدث بها ؟ ـ هل هذه هي مشكلة الأدب العربي الحديث .. أن نجد له لغة واحدة جديدة ؟ ـ هل مات أسلوب الجاحظ ، وطه حسين ، والعقاد .. وغيرهم ..؟ ، ولكن أفكارهم لم تمت ، ولن تموت ، والسبب في ذلك أنهم كانوا يملكون اللغة ، وكانوا يفهمون أسرارها ، أي أن اللغة لا تملكهم ، وهذا ما ردده طه حسين دائماً.
هذا الكلام لا يحل المشكلة ، لأن امتلاك اللغة له شروط ، وقد يكون أولها أن نملك لغة واحدة ، وقبل مشكلة الصراع بين الفصحى والعامية ، وهي مشكلة تافهة لا تستحق منا الاهتمام ، لأننا نسير في طريق لغة جديدة هي ما يمكن أن نسميه (لغة المثقفين) ، أو (الفصعامية ) ، أو (اللغة الثالثة ) على حد تعبير توفيق الحكيم في مقدمة مسرحيته الشهيرة (الصفقة) ، وهي نماذج بين الفصحى البسيطة واللهجة العامية القريبة من الفصحى ، وفي رأينا أن اللهجة العامية سوف تسقط بعد ذلك حتماً .
ولكن : هل هذه لغة الأدب ؟ ـ لقد سقطت العامية في أسلوب الصحافة (وكذلك وسائل الإعلام المختلفة) خلال قرن واحد من الزمان ، وأصبحت الصحافة العربية تملك لغة جديدة ، عربية فصحى ، ولكنها ليست صحيحة تماماً بمقياس الفصحى ، بل أنها كثيرة الأخطاء من ناحية النحو و الصرف و البلاغة وقواعد الإملاء .
أما الأدب فإنه يجتاز مشكلة أعقد من مشكلة الصحافة ووسائل الإعلام لأنه لا يستطيع اصطناع لغة خاطئة ، ولكن جيل القصاصين والروائيين ابتداءً من يحيى حقي ، وحتى أديبنا العالمي / نجيب محفوظ ، ويوسف السباعي ، وإحسان عبد القدوس ، وغيرهم .. ، لم يملكوا اللغة العربية الفصحى على شروط طه حسين ، ولكننا لا نستطيع أن نقول أنهم لا يملكون فن الكلمة ، أو فن القول ، كما سماه شيخ الأمناء / أمين الخولي .
يبدو أننا سنعود إلى نظرية الناقد الفرنسي الشهير / سانت بيف ، الذي قال : إن الأسلوب هو الرجل ، ولكن طبيعة اللغة الفرنسية تختلف عن طبيعة اللغة العربية ، لأن الطفل الفرنسي يعرف اللغة في أشعار (فيكتور هوجو) ولكن الطفل العربي لا يعرف كيف يقرأ شعر المتنبي أو شعر شوقي ، وقد يصعب ذلك على بعض المعلمين والكتاب والأدباء .
لقد كان يوسف السباعي يفخر دائماً بترجمة والده / محمد السباعي لرباعيات الخيام ، ولكنه لم يحاول دراسة هذه الترجمة الشعرية أو المنظومة الشعرية دراسة جادة متأنية .
ويبدو لي أنه لو اتبع يوسف السباعي أسلوب والده في الكتابة ، لامتنع عن الكتابة من الأساس ، فإن أسلوب الأب لا يصلح لكتابة القصص أو الروايات التي كتبها الابن .
كثيرون لا يعرفون أن أمير الشعراء / أحمد شوقي حاول تأليف روايات شعرية عصرية ، فعجز عن ذلك بسبب اللغة .. هناك مسرحيتان شعريتان لشوقي هما (الست هدى ) و (البخيلة ) ، وكلاهما تدوران في حي (الحنفي) الذي يربط حي السيدة زينب بحي عابدين جنوب القاهرة ، والمعروف أن (شوقي) ولد وشب في حي (الحنفي) ، ويقال أن شوقي عانى الأمرين في كتابة هاتين الروايتين ، حيث أنه كتبهما أكثر من مرة ، وأنه لم يستكمل رواية (البخيلة) ، كما أنه أعاد كتابة (الست هدى) المسرحية الاجتماعية الوحيدة له ، ورغم إتمامه لها فقد اعترف بأنه لم يكتبها بالشكل الشعبي الذي كان يريده ، كما اعترف بأن المسودات الأولى لهذه المسرحية كانت مضحكة .
هل هذه اللغة العربية الفصحى لغة تاريخية ؟ ، كيف تحيا ؟ ، أو كيف تموت ؟ ، أو كيف تنبعث بعثاً جديداً ؟ ، لقد كتب يوسف السباعي كما أراد ، ولم يلتزم اللغة العربية الفصحى ، وهذه هي المشكلة التي تواجه الأدب العربي الآن ، لأن القراء في الأجيال القادمة لم ولن يستطيعوا فهم قصص وروايات وأشعار كتبت بألفاظ ليس لها قاموس خاص معترف به .
نحن اليوم لا نستطيع فهم بعض النصوص التي كتبت في عصور سابقة ، قبل هذه اللغة التي تمازج بين الفصحى والعامية ، أو التي كتبت بلهجة عامية متغيرة عبر العصور .
مساكين أدباء عصرنا من الروائيين والشعراء والقصاصين ، إنهم يحتاجون إلى مجامع لغوية جديدة ، تضع لهم قواميس جديدة تشرح ألفاظهم لمن يريد أن يقرأ كتاباتهم ، لأن لسان العرب لابن منظور ، وكذلك القاموس المحيط للفيروز آبادي وغيرهما من القواميس لن تستطيع شرح هذه الألفاظ ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق